يمر العيد هذا العام ومازالت هناك أحداث تعصف بنواحٍ مختلفة من أمتنا العربية، وأحداث دامية تعصف ببعض بلداننا الإسلامية وكأن الفرحة أصبحت محظورة على المسلمين الذين يأنف بعضهم من وضع الخلاف والقتال جانباً ولو لبضعة أيام حتى تتمكن الأسر من الاحتفال بهذه المناسبة وإخرج أطفالهم، ولو لساعات معدودة، من حلبة الصراع وأخذ هدنة لإدخال الفرحة على القلوب. *** المدهش أن بيننا من يحرّمون الفرحة حتى في العيد؟! وأنقل عن أحد الأصدقاء أنه ذات عيد، شاهد في التلفاز أحد الوعاظ يقول "ان الابتسام في العيد لا بأس به من الناحية الشرعية ". وحكاية الصديق سمعتها من صديق آخر حكى لي أن أحد كبار المعروفين بتجهمهم الدائم وعبوسهم المستمر حتى في أكثر المواقف مدعاة للضحك والابتسام أفتى لأبنائه الصغار، عندما وجدهم وجلين من الضحك والابتسام في حضرته، أنه لا بأس من رسم البسمة في العيد دون المُبالغة في الفرحة ؟! *** وينسى أمثال هؤلاء، وقد صادفت منهم شخصياً أشخاصاً يعتبرون رواية طُرفة جريمة تُخل بشخصية الرجل، أن البسمة هي "بسبور" إلى قلوب الناس. فأول ما يجعل الناس مقبلين أو مدبرين عن شخص ما هو إطلالته التي يحكمون فيها على شخصيته فإن كان بشوشاً يستقبل الناس هاشاً باشاً أقبلوا عليه، وإن عابساً قنطريراً هربوا منه كما يهربون من المجذوم! وإذا كان الضحك معيبة لصاحبه، في موقعه ومكانه ومناسبته، فلا أدري إذاً من أين جاء المثل او الجملة التي ترددها حكايات التراث في وصف تأثير شدة الضحك على بعض الأشخاص حين يقولون أن فلاناً ضحك أو قهقه حتى أستلقى على قفاه؟! *** يقول العالم النفساني (روبرت زاجونك ) أن جريان الدم أثناء الحزن والغضب لا يمنع وصول الأكسجين إلى الدماغ وحسب إنما يولد عدم توازن كيميائي من خلال منع وصول رسائل هرمونية حيوية. والطفل يشرع في الإبتسام وهو في الشهر الثاني من عمره ، في حين يشرع في البكاء في الشهر الخامس إذا رأى أمه تعبس في وجهه. وللابتسامة أثر عظيم على الدماغ: فهي تسمح لآلاف الخلايا الدماغية أن تتحرر وتتحرك وتنتعش. تسمح للشبكة العصبية المسؤولة عن أوامر ضخ الدم من القلب إلى الشعيرات الدموية في الوجنتين أن تتنشط ، وبهذا تتورد وجنة المبتسم أكثر من غيره ، بينما الغاضب يحتقن الدم في وجهه احتقاناً. أما من الناحية النفسية فإن الفرد بمجرد الابتسام يُصبح أكثر تأثيراً في الآخرين فالشخص الذي يبتسم كثيراً يؤثر تأثيراً إيجابياً على الآخرين أكثر من الشخص الجدي بشكل دائم. كما أن الأشخاص الذين يبتسمون يتمتعون بالدفء والحنان وبُعد النظر ، بينما أولئك الذين يبخلون بالابتسامة فإنهم يكونون محدودي التعبير يوصفون بأنهم باردون ومنسحبون. *** وهكذا فإن الابتسامة هي التعبير عن السعادة، كما أنها أحد أهم مكونات لغة الجسم التي لدى الإنسان، فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي يضحك ويبتسم. وإذا كان كل هذا صحيحاً في الأيام العادية من السنة، فأحرى أن تكون الابتسامة هي الكود (pass word)الذي يدخل به الفرد المُسلم إلى أيام العيد المباركة. فيا أخي الكريم ابتسم .. في حضرة العيد. وكل عام وجميع المسلمين بخير ومحبة وسلام. * نافذة صغيرة: [[عن أبي ذر -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ...».]] [email protected]