لأن مصر أرض الكنانة ومهد الحضارة الإنسانية، وأرض الأنبياء التي قصدها سيدنا إبراهيم وأقام سيدنا موسى في أكنافها، وسكن سيدنا شعيب في أطرافها، ولجأ إليها سيدنا عيسى وأمه العذراء، ووفد إليها سيدنا يوسف وأشقائه الأسباط وأبوه سيدنا يعقوب، عليهم السلام جميعًا، ولأنها الأرض التي اختصها الله سبحانه وتعالى بالأمن والأمان "أدخلوا مصر إن شاء الله آمنين"، وميزها بجند هم خير أجناد الأرض، وجعلها مقبرة للغزاة على مر التاريخ، وكتب النصر للأمة على يد قادتها من خلال معارك تغنى بها التاريخ عندما هزمت بإذن الله التتار والصليبين وقهرت جيوش لويس التاسع، وعبرت بإرادة شعبها القناة لتلحق الهزيمة بإسرائيل التي كانت تتباهى بأنها تمتلك خامس أقوى جيش في العالم، ولأن مصر قبل ذلك وبعده قلعة العروبة، ومهد الأزهر الشريف. ولأنها واحة الثقافة، وملتقى الأدب والأدباء والعلماء، وموطن الفن والإبداع. لأن مصر كل ذلك وأكثر، فإن المحنة التي تمر بها الآن تدعوإلى القلق والأسى والحزن العميق من كل إنسان مخلص لعروبته، محب لمصرها، مشتاق إلى ربوعها الخضراء برائحة الياسمين، وحضنها الدافىء، وشعبها الطيب الأعراق، ونيلها الخالد، وأهراماتها السامقة التي تشهد على عراقتها وسموها. مصر اليوم في حاجة إلى وقفة عربية وإسلامية داعمة لوفاقها، مساندة لوحدة شعبها، مباركة لكل مبادرة خيرة تضمد جراحها وتكفكف دموعها وتأخذ بيدها نحو بر الأمن والأمان والخلاص. مصر اليوم تعيش أيامًا صعبة علمنا التاريخ أنها قادرة بعون الله على اجتيازها، وعلى تجاوز محنها مهما كانت صعبة، لأن شعبها أكبر وأقوى من أن ينجرف نحوالفتن، ويضعف أمام التحديات، أويتملكه اليأس مهما حيكت ضده المؤامرات، واستهدفه الحاقدون والمتريصون. مصر اليوم وأكثر من أي وقت مضى بحاجة إلى توافق وطني يجمع ولا يفرق، وإلى جهود أبنائها المخلصين لوقف ما تشهده من نزيف اقتصادي، وفرقة سياسية، وخصومة وطنية، لأن نهوض مصر وشموخها هو نهوض للأمة بأسرها، وهوما سجله التاريخ ووثقته الأحداث ليصبح حقيقة تاريخية وإستراتيجية راسخة لا سبيل إلى إنكارها.