كنت دائماً أرتاب في دوافع حزب الله وأهدافه الحقيقية. ولكن الناس في عالمنا العربي يُصدِّقون بسهولة أيّ دجّال إذا شهر السلاح وأعلن أنه يقاوم إسرائيل. فماذا تقول لهم؟! عندما تسيطر فكرة معينة على الناس، يغدو من الصعب اقتلاعها. وحزب الله يدّعي أن سبب وجوده الوحيد هو مقاومة إسرائيل، وليس الدفاع عن إيران وسياستها الطائفية، ولا ترويج «بضاعتها» الأيديولوجية، ولا العمل كقاعدة استخبارية، وقوة ضاربة ضد الدولة اللبنانية وجيشها ومؤسساتها. ظلوا يخفون باستمرار أن ولاء قادة الحزب لإيران أكثر من ولائهم للبنان. هل عارضوا يوماً النظام الإيراني وممارساته ضد شعبه وضد العرب، كما يعارضون زعماء لبنان وحكومته؟! أقول: كنت أرتاب في هذا الحزب، ولكن ما العمل وآلاف الناس – وفي مقدمتهم فلسطينيون ولبنانيون وسوريون - ظلوا مقتنعين بأسطورته في حرب 2006؟! الواقع أن إسرائيل كان بإمكانها أن تقصف لبنان إلى أن تحوّله إلى ركام من الحجارة، ولكنها انسحبت تحت الضغوط العربية والدولية. ولا يُصدِّق إلا جاهل بحقائق ميزان القوى أن نصر الله انتصر. بيد أنه ضخ الملايين لشراء الولاءات وإشاعة فكرة انتصار حزب الله، في حين أن القتلى في لبنان بالمئات، والدمار في كل مكان، ولم يصب الإسرائيليون إلاّ ببعض الخسائر. كذب نصر الله وصدّق نفسه. وبفضل الأموال التي أغدقها عليه الإيرانيون، انتشرت الأسطورة. وهو ما كشفته البرقية الصادرة من السفارة الأمريكية في بيروت بتاريخ 20 أغسطس/ آب 2006 (ويكيليكس)، وكتبها السفير الأمريكي في لبنان جيفري فيلتمان. وها هو نصر الله يعود للكذب وتصديق نفسه. ها هو يعد أنصاره «بالنصر» في معركة خاسرة، معلناً رسمياً مشاركة حزبه (وسماه: المقاومة!) بالقتال ضد الشعب السوري. ها هو يسقط القناع نهائياً، ويكشف دوره كموظف إيراني، ما أثار ضده زعماء لبنان الوطنيين. فكيف ينخرط «زعيم وطني» لبناني في نزاع خارجي دون استشارة أحد في «بلده»؟ سأترك الإجابة للسيد سعد الحريري: «إن نصر الله يقول لرئيس الدولة ولكل أركان طاولة الحوار الوطني، إن أي كلام عن إستراتيجية دفاعية أو عن تنظيم سلاح المقاومة تحت إمرة الدولة هو كلام قرر السيد حسن أن يرميه في سلة مهملات حزب الله». هذه المرّة، التعليمات الإيرانية دفعت نصر الله إلى فم الأسد.