6- حد شرك الربوبية التوحيد لغة: "الانفراد". وفي الاصطلاح: "إفراد الله بخصائصه". وخصائصه أنه: رب، معبود، كماله مطلق. قال:{رب السموات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبادته هل تعلم له سميا}. وهو قسمان: علمي، وعملي. فالعملي: توحيد الألوهية. وهو: إفراده بالعبادة(=أفعال العباد). والعلمي: توحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الربوبية وهو: "إفراده بخصائص الربوبية". أو كما هو المشهور: "إفراده بأفعاله" الملكوتية (=المتعدية كالخلق، لا اللازمة فلا يلزم عنها أثر لذاتها كالنزول). أو "إفراده بالخلق والملك والتدبير"(ابن عثيمين). وبعضهم يزيد الحكم والتشريع(اللجنة الدائمة)، وهو هنا بغير المعنى الوارد في توحيد الألوهية، هناك من جهة التزام الناس به(=شرك الطاعة)، وهنا من جهة صدوره من الرب، فيعتقد أنه وحده الذي له الحكم(=شرك الحكم): (إن الحكم إلا لله). هذا التوحيد عكس الألوهية؛ فموضوعه أفعاله لا أفعالنا(=عبادة)، وإذا تعلق الموضوع بالأفعال الإلهية، فحظنا منها ليس إلا الاعتقاد، وما وراءها من أثر يصدر عنا في صورة عمل، فهو من التعبد (=الألوهية)، لأجله قيل: توحيد الألوهية لازم للربوبية. فالمطلوب لتوحيد الربوبية: الاعتقاد(=عمل القلب). بخلاف الألوهية، فمطلوبه على ثلاثة من أركان الإيمان الأربعة: عمل القلب، والجوارح، وقول اللسان. وسبب قصر الربوبية على الاعتقاد: أنه علم، ثم إنه تعلق بما هو غيب غير محسوس، وهذا كله محله القلب والعقل، حتى لو تعلق بمشهود، فلا يكون إلا بالاعتقاد، فيكون معناه حينئذ: "الاعتقاد أنه وحده المؤثر بذاته في جميع أحوالنا بلا استثناء شيء". ومما يؤكد أنه اعتقاد: فطريته؛ بمعنى: ابتداء خلق الإنسان به، فقد ركز في فطرته: الاعتقاد بتفرد الرب بهذا الخلق والملك والتدبير. ولأنه كذلك فقد أقر به المشركون؛ في الخلق:(ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله)، وفي الملك:(قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون سيقولون لله)، وفي التدبير:(ومن يدبر الأمر فسيقولون الله). وفي النفع والضر:(ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون). وهم مع إقرارهم بهذا كله مشركون؛ إذ أشركوا في العبادة، فجمعوا إلى الإيمان الإنكار:(وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون). فهذا التوحيد حجة على العباد لا لهم؛ فما اكتسبوه بل فطروا عليه، واكتسابهم منه فمن جهة النماء لا الأصل، فمن لم يجمع إليه توحيد العبادة لم ينتفع به، فالألوهية يلزم الربوبية، لكن اللازم قد يتخلف، كالولد يلزمه البر وقد يعق. فالرسل بعثوا بالعبادة:(وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون). وقد قسم الشرك في الربوبية إلى:"تعطيل" هو: "نفي شيء من خصائص الربوبية عنه وإلحاقه بغيره". كشرك فرعون نفى الربوبية عنه: (وما رب العالمين)، وادعاها لنفسه:(أنا ربكم الأعلى}، والفلاسفة نفوا خلقه، وادعوا أنه صدر وفاض عنه، وأن الذي خلق هو العقل الفعال. و"التسوية" وهي: "نسبة شيء من خصائص الربوبية لغيره، من غير نفيها عنه". ومساواته بغيره شرك قال:(إذ نسويكم برب العالمين}، (والذين كفروا بربهم يعدلون)، ف"العدل" هو "التسوية"، وهو أن يجعل معه إلها آخر، كالمجوس قالوا: للعالم إلهين: للخير، وللشر. والنصارى اعتقدوا أن الآلهة ثلاثة. وعبدة الكواكب اعتقدوا أن للكواكب تأثيرًا ذاتيًا. كذلك من اتخذ شفعاء معتقدًا أنهم يضرون وينفعون، سواء اعتقد استقلالهم، أو أنه أعطاهم هذا المقام؛ فإن المشاركة في الاختصاص لا تصح بأي وجه كان، لأنها نفي للفارق بين الخالق والمخلوق.