تحت هذا العنوان، كتبتُ عن رجال أفذاذ، عايشت بعضهم، وتعرَّفت عليهم عن قرب. أمّا الرجل الذي أكتب عنه اليوم فلم تربطني به سابق معرفة، ولم أكن من جلسائه أو معارفه، لكن أعماله الجليلة حببته إلى نفسي، فكتبت عنه، لاسيما أنني سمعت أنه رفض كثيرًا من عروض التكريم لشخصه. إن تكريم الأحياء من المبدعين سُنَّة حسنة، وعمل مجهد، وكلفة عالية لا يقدر عليها إلاّ العظماء القادرون، والنفوس العالية، وقد تصدّى لهذا المبدع رجل كريم، زاده الله بسطة في الذوق والخير، فكان عطاؤه تجسيدًا لإيمانه بهدف جليل نذر له وقته وجاهه وثروته، فجعل من جملة انشغاله في أيام حياته، اثنينية التكريم، التي استمرت لأكثر من ثلاثين عامًا وتحديدًا منذ عام 1403ه ولم تتوقف إلاّ في حالات استثنائية أقدر ظروفها وتوقيتها. لقد سبقني إلى الكتابة والحديث عن راعي الاثنينية كوكبة من أصدق الناس وأكملهم منطقًا وورعاً وليسوا قلة، لكني أخص بالذكر رجلاً أحبه الناس لعلمه وورعه وفضله وذوقه، إنه فضيلة إمام المسجد الحرام حبيبنا معالي الشيخ صالح بن حميد الذي تشرفت الاثنينية باستضافته وتكريمه، كما كرمت المبدعين من أعلام الرجال وفضليات النساء، فمنهم من تغمده الله برحمته إن شاء الله، لكنه ظل حاضرًا ومكرمًا في ذاكرة الاثنينية وتوثيقها. لقد وصف معالي الشيخ صالح بن حميد اثنينية عبدالمقصود محمد سعيد خوجة بأنها واجهة مشرقة، ومن الواجهات التاريخية والحضارية والإبداعية، وهي مفخر ثقافي أنجزه عبدالمقصود خوجة الذي أقام الندوات وطبع الكتب، وكل ذلك يعكس حيوية الاثنينية. ولقد ذكر معاليه أن خوجه سخّر وقته وجهده وماله وصحته وعلاقاته لخدمة العلم وأهله. ليس بعهد هذه الكلمات الصادقة ما يُقال سوى أن الولد سرّ أبيه الأديب الرائد محمد سعيد خوجة في حبّه للعلم والأدب والثقافة، وتكريمًا وبرًّا لذكرى أبيه يرحمه الله. وعندما يترجّل فارس من فرسان الوطن عن فرسه، بعد أداء واجبه الوطني، يُبادر الوجيه بأريحيته وذوقه إلى تكريمه في اثنينيته الشهيرة ليقول له ولأمثاله الشرفاء: لقد قمت نيابة عن المجتمع بتكريم هذا الفارس الذي قدّم الجهد الصادق، وترك بصمة لن تنسى في ذاكرة حب الوطن، ولعلي أتذكر أول تكريم حضرته في الاثنينية كان لمعالي أستاذنا الجليل معالي أ. د. رضا محمد سعيد عبيد، بعد عطاء مبدع، وتاريخ حافل بالبذل والريادة. ثم حضرت أمسيات أخرى، وفاتني حضور أمسيات رائعة، وددت لو كنتُ فيها حاضرًا. وبالأمس القريب تشرفتُ بحضور تكريم أخي الدكتور محمد سالم عبدالله سرور الصبان في أمسية راقية تفاعل فيها المتحدثون والحضور، لأنها كانت عن الوطن وبتروله واقتصاده وثروته، حيث برع المكرم في عرض وجهة نظره الاقتصادية واجتهاداته الشخصية التي لاقت كثيرًا من التقدير والإعجاب بشخصه وعلمه وطرحه وإخلاصه لوطنه. إن تكريم الاثنينية للبذل والعطاء والإبداع والفكر وتكريم المبدعين والمبدعات من رجال الوطن ونسائه امتد ليشمل المبدعين العرب والمسلمين في مجالات الفكر والسفر والأدب والسياسة. ولعل إهداءاته القيّمة النادرة للهيئة العامة للسياحة والآثار 9 مخطوطات ثمينة يعود تاريخها إلى أكثر من 511 عامًا لتكون متاحة لجميع أبناء الوطن للاطلاع عليها والاستفادة منها، تجسد قيمة هذا الرجل. شكرًا أستاذنا عبدالمقصود على ما قدمته وتُقدّمه، وأدام الله عليك الصحة والستر والتوفيق.