الصفحة الأخيرة من صحيفة البلاد الغراء ليوم الجمعة الماضي، كانت عزفاً منفرداً على أوتار الشجن أدّاه رئيس تحريرها الأستاذ علي محمد حسون. لقد كان توجعاً من ابن المدينة الطاهرة، المعجون بشخصيات سكانها وذكريات أماكنها. كانت تلك الريشة القلمية الشجية تعبيراً صادقاً وعاطفة متجلية يجيب صداها من فقد مثله المكان الذي نشأ فيه، وسار في أزقته، وكتب اسمه في أماكنه. إنه الأسى على فقد الذكريات بفقد الأماكن. ما يجري في المدينةالمنورة اليوم من توسعة لمسجد الرسول عليه الصلاة والسلام، هورعاية لها، وخدمة لضيوف الرحمن وزائريها. وإن كان أخي علي يبكي على ذكرياته، وأماكن الصبا ومراتع الشباب؛ فهو شعور إنساني نبيل، ووفاء لتلك الأماكن التي تربى فيها. وكما هي عادة المحبين، فإنهم أنانيون لا ينظرون إلى الصورة الواسعة الكبيرة، بل تهمهم الصورة الخاصة الأثيرة. والعاشقون للمدينة التي أحد أسمائها «المحبوبة» كثرٌ مثله. لقد فقدوا جزءاً من الذكريات في توسعة الملك فهد رحمه الله، ويفقدون البقية في هذه التوسعة الضخمة، جزى الله من أمر بها خير الجزاء. قال لي أخي علي يوماً، أنه كتب عند التوسعة الأولى شيئاً مماثلاً، فوشى به أحدهم عند أميرها عبد المجيد بن عبد العزيز، مدّعياً بأن علياً كتب معارضاً للتوسعة، فأجابه الأمير الفطن رحمه الله قائلاً: لو أني ولدتُ في المدينة، وتربيت فيها، لقلت مثل ما قال. الأماكن لا تحتوي السكان والمتحركين عليها فقط، بل على جدرها وطرقاتها ومبانيها ومزارعها انطبعت آثار أهلها ودموعهم وابتساماتهم وهمومهم وأفراحهم. هي تاريخهم الذي كتب حتى أنفاسهم. هل رأيتم أحداً أتى بلا ذاكرة؟ Twitter: @mamashat [email protected] [email protected]