شغفت تطبيقات الاتصال والتواصل الحديثة عبر الهواتف المحمولة اهتمامات الناس في الآونة الأخيرة، فأصبحنا نرى في كل أماكن التجمعات الكثيرين يمسكون بجوالاتهم يكتبون عليها ويتلقون الرسائل في دردشات لا تنتهي، ليتحول الأمر إلى ظاهرة جديرة بالدراسة واهتمام الباحثين، خاصة إذا لاحظنا أن تلك التطبيقات من «واتس أب وتويتر وفايبر وفيسبوك» باتت ترافق الموظفين أثناء دوامهم الرسمي، فأصبحنا نرى الموظف وهو يضع جواله أمامه يكتب عليه وتدق أصوات الرسائل بين الحين والآخر، بينما لا عزاء للمراجعين الذين قد ينتظرون بالساعات لإنجاز معاملاتهم، ولا يصبرهم على ذلك الانتظار إلا انشغالهم أيضا بالحديث والدردشة عبر تلك التطبيقات على أجهزتهم المحمولة. «المدينة» حاولت التعرف على آراء عدد من المهتمين بتلك التقنيات الحديثة، من موظفين واختصاصيين ومواطنين، علّنا نلفت الانتباه إلى حجم ما بات يهدر من وقت سواء للموظف أو للمراجع، وفي الحالتين تدفع الدولة ومصالح المواطنين ثمن هذا الإدمان الجديد. الهروب من المراجعين يقول الموظف نادر الراشدي إنه يستخدم تلك التطبيقات أحيانا للترويح من ضغط العمل، وخاصة اذا كنا بأيام يكثر فيها المراجعون، فنحاول الهرب من ضغطهم إلى التقنية. وشاركته الرأي نسرين كمال بأن الموظف يعاني كثيرًا من ضغط عمل وصعوبة في التفاهم مع المراجعين، لذا فالتقنية أحيانا تعتبر حلا للهروب من صدام قوي مع المراجع، على الرغم من ان استخدامه خطأ لأنه تعطيل للمراجعين.. ولكن التقنية ادمان، وقد أدمنا عليها. وأوضحت إيمان سنان، المتخصصة في العلوم الإدارية، أن شيوع استخدام التطبيقات الحديثة في المصالح أصبح عائِقًا لبعض الموظفين، حيث جعلهم منشغلين عن وظائِفهم، وقالت: إنها ظاهرة جاءت نتيجة لسرعة الأخبار أو سرعة الناس في نقل الأخبار، لكن لا يعني أن يأخذ الموضوع الوقت كله، فالموظف الذي يعرف هدفه ووظيفته ووقته سيتدارك الأمر وبدون أن يوجهه أحد، لكن هنالك موظفون لم يحددوا الهدف من عملهم ووقتهم، وقد يكون السبب في بعض الشركات التي لا توفر بيئة جيدة لذلك. ومن جهة أخرى تصف نوف عبدالله جابرة، منسقة تنمية موارد وعلاقات عامة، انتظار الكثير من العُملاء لموظف مشغول بأحد التطبيقات بأنه موقف سلبي جدًا ويُثير الغضب، هذا بالطبع إلى جانب الصورة السلبية التي يصدرها هذا الموظف. حملات توعية وللحد من تضخم هذه الظاهرة يقترح حسن الفارسي، ممثل خدمة عملاء بالبنك الأهلي، توعية الناس بأهمية العمل والالتزام به أخلاقيا ودينيا ووطنيا. ويروي المواطن سعد الوايلي أنه قبل شهر راجع إحدى الدوائر الحكومية بعنيزة وانتظر لمدة ساعتين فقط لإنهاء توقيع من احدى الاقسام، حيث تفاجأ بأن الموظف كدس المعاملات لديه، بينما يستخدم اثنين من الأجهزة المحمولة ويهمل المراجعين. وبين غرم الله الغامدي أنه تقدم قبل فترة بشكوى لأحد مديري الادارت الحكومية في الباحة من استهتار وتعطيل أحد الموظفين بالمراجعين، ولا يوجد سبب للتأخير سوى انه ينشغل باستخدام واتساب وتويتر بجواله ويكدس معاملات المراجعين لديه، ويتعذر بعدها بكثرة المعاملات. ومن جهته قال الإعلامي محمد الشقاء: إن تطبيقات الاتصال الحديثة هي خدمة قد تكون معينة للموظفين في أداء وتسهيل مهامهم في حال استغلالها واستثمارها بالشكل الأمثل فكثير من المؤسسات الحديثة استثمرت هذه الخدمات في اجتماعاتها وأعمالها. موضحاً أنه ينبغي أن يدرك الموظفون أن هذه التطبيقات لم توضع للتسلية وتمضية الوقت بل لا بد أن يدركوا أنها إضافة وخدمة مفيدة في سرعة إنجاز أعمالهم في حال استغلال منتجاتها سواء تبادل النصوص أو الملفات أو الصور أو المقاطع المرئية أو الصوتية.. وعموما هي لا تصل حد الإشغال في العمل طالما أنها لم تصل حد الإدمان أو الاستخدام السيئ. سياسات العمل ويضيف الشقاء أن الحد من هذه الظاهرة يعود لطبيعة العمل وسياسته داخل المؤسسات.. فهناك أعمال تتطلب وجود هذه التطبيقات وهناك أعمال تتعارض مع وجود أو استخدام هذه التطبيقات كالجهات الأمنية أو المرافق التعليمية، لذلك فوجودها من عدمه تحدده سياسة الجهات التي يتبع لها الأشخاص سواء كانوا موظفين أو غير موظفين. ويوضح الشقاء أن هناك جهات كالمدارس لوحظ ظهور سلبيات بعد شكاوى طلاب وأولياء أمور من انشغال المعلمين والمعلمات بتطبيقات التواصل الاجتماعي وهذا أمر واقعي ومشاهد ويدلل على استفحال الظاهرة وانتشارها بشكل كبير واعتقد أنها دافع لسن قوانين صارمة تجاه من يستخدمها أثناء العمل الرسمي خاصة ممن هم في الصفوف الأولى لمقابلة الجمهور. وعلل تساهل الإدارات مع الموظفين بأن كثيرا من الجهات لم تستوعب بعد سلبيات ذلك ولم تقم بدراسته أو تبحث حجم المشكلة على أداء العمل وعلى الموظفين، لذا نراهم في كثير من الدوائر الحكومية والجهات الأهلية ينشغلون عن المراجعين ولا يؤدون واجبهم بالشكل الأمثل، لذا تنشأ العديد من المشكلات. مشيرا إلى أن وجود الإنترنت والجوال تسبب في إدمان بعض الموظفين والموظفات على الدردشة مع الصديقات والاصدقاء والأهل وترك العمل؛ مما يعني قلة الإنتاج وإهدار الوقت، ويعتبر ذلك مخالفة لأحد واجبات الموظف العام التي نص عليها نظام الخدمة المدنية، حيث قضت المادة (11) على أن يخصص الموظف العام وقت العمل لأداء واجبات وظيفته، إضافة إلى ما هو مطلوب منه من حسن سير العمل في حدود اختصاصه، واذا قلت انتاجيته ولوحظ تهاونه يحول فورًا للإدارات القانونية بالجهة التي يعمل بها. المزيد من الصور :