في الماضي كانت الفتاة تعيش في مجتمع متواضع لا يعرف إلا الحقول والبادية، فيتم إرسالها مع قطيع الأغنام للرعي وعندما تكبر قليلًا تساعد في الحقول وأعمال المنزل ثم إلى بيت زوجها وتفعل مع صغارها ما كانت أمها تعلمها إياه، لكن تكبر وهي تعرف قيمة الأخلاق التي زرعها أهلها فيها بالرغم من أنها لم تتعلم في المدارس إلا أنها كانت تتلقى تعليمها من مدرسة الحياة ومما تسمعه من حواديث السمر بعد المغرب مع عائلتها التي يفتتحها الجد أو الأب بقصص من هنا وهناك قد تدخل فيها أساطير أو حقائق، ومع تقدم الحياة وتغيراتها، أصبحت فتاة اليوم غير فتاة الأمس، فالفتن تحيط بها من كل جانب وزخارف القول تفعل في أذنها مفعول السحر، وتقليد ما تراه من مشاهد حالمة يجعلها تعيش واقعًا وهميًا يصدمها عندما يصبح حقيقة. ومن شدة خوف الأهل ممن عاشوا في فترة تختلف عن فترة ابنتهم فإنهم يحتارون في الطريقة الأنسب لمعاملة البنت حسب الجيل الذي تعيش فيه، فإما أن يحصل التصادم والتنافر أو يكون هناك تفريط وتسليم للأمر الواقع. الأنثى اليوم هي حفيدة الأنثى بالأمس، تحمل نفس جيناتها ونفس خصائصها وترث منها كل الأمور، ورعاية البنت منذ الصغر تعطيها الحصانة في الكبر، حتى لو أخطأت أو ضيعت الدرب فإنها تعود بسرعة، هناك أمور تجعل من عالم البنات عالما مخيفا وهو الفراغ الذي تتركه الأسرة في حياة البنت، فالأم تنظر لابنتها أنها الصغيرة التي لا يمكن فتح أي حوار جدي معها حتى لو كان هذا الحوار عن الحب، فتقول للصغيرة إنها لم تحب طوال حياتها ولم يخفق قلبها وإن هذا الحب خطيئة بينما الواقع يقول إنه ليس على وجه الأرض معصوم إلا الأنبياء وإن الفطرة والميلان في قلوب البشر هو شيء طبيعي، والبنت تمر بمراحل مختلفة فبنت الأربعة عشر ربيعًا ليست كبنت العشرين وبنت العشرين ليست كسيدة الثلاثين وهكذا، فلكل سن حماقاته وتجاوزاته وأخطاؤه، ومن الصعب ترك البنت تجدف لوحدها في بحر الحياة، تعليم الصغيرة منذ الصغر بالخطأ والصح يجنبها عند الكبر الوقوع في المحظور، فمثلًا البرامج التلفزيونية لا يمكن منع البنت من مشاهدة ما تريد، لكن بالإمكان مشاركتها فيما تشاهده وتصحيح الخطأ لها وتوضيح الخلل فيخفف هذا لديها من صدمة التلقي، فمثلًا المسلسل الذي يحكي عن حمل السفاح والزنا والعلاقات المحرمة هذا يكاد يكون العامل المشترك بين كل المسلسلات وهذه لا يمكن تجنبها بالمنع لأن الفتاة تحصل عليها بتبادل الأشرطة أو متابعته على الإنترنت أو حتى تحميله من صديقتها عن طريق الجوال، والمنع لا يزيدها إلا الإصرار على المتابعة، والأم الحكيمة هي من تستغل مثل هذه الجلسات لفتح حوار شفاف مع ابنتها حوار الصديقة لصديقتها وعندها تكبر البنت وهي تعرف أن هذا منكر، وهذا خطأ، أيضًا تعطيها الفرصة لتصحح لها بعض الأمور المغلوطة حتى تدربها على الأمر بالمعروف كأن تسألها عن رأيها في مسألة ما درستها أو تعلمتها أو حتى قرأتها في كتاب وهذا يعزز الثقة عند البنت ويقوي مداركها، الأب أيضًا مطالب بتقديم جرعات قوية من الحب لابنته فمعظم انحرافات البنات هو من باب البحث عن العاطفة والكلام الطيب والأب الذي يكون الصديق والأخ والأب لابنته هو أب عظيم لأنه أعطاها جرعات كافية من الحنان وجعلها أكثر صلابةً واتزانًا، فمعظم مشاكل البنات أسبابها نفسية أكثر منها دينية .