كانت المدينةالمنورة المعروفة باسم «يثرب» قبل الإسلام غارقةً في ظلمات الجاهلية، ولم يكن لمجتمعها ثقافة تُذكر، سوى جوانب محدودة في الشعر القائم في معظمه على الفخر بالأحساب والأنساب، بالحق والباطل. ولم يكن القليل الموجود من ثقافة مجتمع تلك المدينة القديمة، كما لم يكن لأهل المدينة في الجاهلية علوم دينية أو دنيوية غير النَّزْر اليسير من بعض العلوم القائمة على التجربة والممارسة خاصة في الناحية الزراعية. العهد النبويّ ما إِنْ لاحَ فجرُ الإسلام، وشَّع نوره في الأُفق، حتى تطلّع أفرادٌ من أهل المدينة إلى ذلك النور الإلهي، ودخلوا في الإسلام حاملين على عواتقهم إدخال ذلك النور إلى مدينتهم، لمحو الجاهلية التي عانى منها مجتمعهم. وما هي إلا مدة يسيرة حتى أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة مهاجراً، معلناً دخول هذه البلدة المباركة عصر الإيمان والعلم والثقافة. كان وصول الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بداية عهد من التأسيس والتمكين للإسلام خاصة، وللثقافة الإنسانية بعامة، ذلك أن الإسلام يحمل في رسالته إخراج البشر من الظلمات إلى النور، من ظلمات الجهل إلى نور العلم. ومنذ أسلم النفر القليل من أهل المدينة الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة في بيعة العقبة الأولى والثانية، بدأت في المدينةالمنورة حركة علمية ثقافية محدودة الأفراد، قوية الأثر، مهّدت للهجرة النبوية المباركة، وأسّست لامتداد علمي ثقافي انطلق مع تلك الهجرة وتخطى المدينة ليشمل آفاق الأرض. وكان أول المؤشرات على قدوم الإسلام بعهد الثقافة، أن أول عمل قام به النبي صلى الله عليه وسلم لدى قدومه المدينة، تأسيس مسجده الشريف، ليكون مكانًا للصلاة، ومعهدًا للتعليم والتدريس، ودارًا للتشريع والقضاء، ومجلسًا لنقاش القضايا العامة التي تهمّ المجتمع المدني. كان النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في مسجده الشريف بعد صلاة الصبح فيجتمع حوله أصحابه فيحدِّثهم ويُحدِّثونه، ولا يألوا جُهدًا في تعليمهم وتوجيههم، ولا يترك موقفًا يستدعي بيان الحق من الباطل يمرُّ دون تصحيح للمفاهيم المغلوطة، فيُبيّن الخطأ ويشفعه ببيان الصواب، ويُشير إلى الخُرافة لينفيها ويوضح حقيقتها، ولم يَحرم النساء من تلك الثروة العلمية التي جاء بها صلى الله عليه وسلم، فقد جعل لهنّ يوماً يأتيهنّ فيه ويعظهنّ ويُعلّمهنّ. لقد تأسس المجتمع المدني بعد الهجرة على بصر النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه، وفق المنهج الإسلامي الشامل، فجاء أثر تلك الهجرة على الثقافة المدنية شاملاً لجميع نواحي الثقافة، الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية. ففي الجانب الديني نقل الإسلام أهل المدينة من عبادة الأصنام والأوثان إلى عبادة الله وحده، ونقّى المجتمع من ضلالات الخرافة كالمعتقدات الباطلة والممارسات الدينية الآثمة. وفي الجانب الاجتماعي حرّر الإسلام المجتمع من ويلات العادات الجاهلية المقيتة، والأخلاق البغيضة وأرشده إلى أرقى الأخلاق والآداب، وفكّ أسر المرأة من ظلم أحاط بها قرونًا عديدة، وجعلها شقيقة الرجل. وكذلك فعل الإسلام في الناحيتين الاقتصادية والسياسية، فهذّب التعاملات المالية والنظام الاقتصادي كله، كما نظم علاقة أهل المدينة بأهل الديانات والثقافات الأخرى في المدينة وخارجها. وقد نشطت في المدينة في العهد النبوي مجالس العلم، وحِلق الذِّكر، التي استقت فكرتها من المجلس النبوي، فكان الصحابة -فضلاً عن تنافسهم على حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم- يعقدون مجالس بينهم يتذاكرون فيها ويتدارسون، ويُعلّم بعضهم بعضًا القرآن الكريم وأسس الدين، ويعرضون ما اختلفوا فيه على النبي صلى الله عليه وسلم حين يكونون بين يديه، ليُبيِّن لهم الحق، وكان لتلك الحركة دورٌ ظاهر في تشجيع العلم وذمّ الجهل، فبرز من الصحابة الكرام رضي الله عنهم أسماء، ممن لازم النبيّ صلى الله عليه وسلم وأخذ عنه جانبًا من أمور الدين فبرع فيه، كإقراء القرآن وتأويله، وعلم الحلال والحرام، وعلم المواريث. وفي آخر حياة النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، ازداد عدد الوفود من قبائل العرب التي قدمت إلى المدينة لتعلن إسلامها، وتنهل من المَعين النبويّ الصافي، ولكي تعود إلى من وراءها مبلّغة للإسلام وناقلةً لصورة الحياة العلمية الثقافية في المدينة. وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقطع ذلك النشاط العلمي الثقافي في المدينة، بل توسع وازداد في المدينة وخارجها، خاصة مع ازدياد أعداد من هاجر إلى المدينة من المسلمين من شتى أنحاء الجزيرة ليستقرّ بها فهي لا تزال عاصمة الإسلام الأولى حتى ذلك الحين، وخروج الصحابة في الفتوحات الإسلامية لنشر الإسلام وإبلاغ سماحته إلى أرجاء العالم، حيث استقرّت أعداد منهم في البلاد المفتوحة، ونقلوا نسخة مصغّرة عن ذلك النشاط الثقافي في المدينة إلى تلك البلدان، وصارت مجالسهم وحِلَقهم منارات علمٍ، ومعاهد يزورها طلاب الحديث النبوي والثقافة الإسلامية. الخلافة الراشدة وخلال عهود الخلفاء الراشدين الأربعة: أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ عليهم رضوان الله أجمعين، باتت المدينة المقصد الأول لطلاب العلم من شتى أرجاء الدولة الإسلامية التي بلغت في مداها الشرق والغرب، وكان حُلم كل طالب علمٍ أن يسافر إلى المدينة، عاصمة الدولة الإسلامية، ليُدرك البقية الباقية من صحابة الرسول عليه الصلاة والسلام في المدينة ليأخذ عنهم مباشرة ودون واسطة، فبرز في المدينة نشاط علمي منقطع النظير، خاصة في المسجد النبوي الذي اكتظّ بحلقات العلم في شتى الفنون والعلوم، وكان الصحابة الكرام رضي الله عنهم يجلسون لرواية الحديث والإفتاء والقضاء، حيث استفاد من علمهم الآلاف، وصارت سواري المسجد النبوي مواقع للقراء والمحدثين والفقهاء وغيرهم من العلماء، يتحلّق حول كل منهم مجموعة من الشغوفين بالعلم يسمعون، ويكتبون ويسألون ويُجابون، يقصدها العلماء والمتعلمون من المدينة أولاً، ومن كل قطر إسلامي، فقلّما تقرأ سيرة عالم نابِه ولا تجد فيها أنه شد الرحال إلى المدينة، وجلس في مسجدها وأخذ عن علمائها. كما عُدّ عمل أهل المدينة وسُنّتهم حُجة في العبادات والمعاملات، لما بلغوا من العلم والثقافة، ودقّة الأخذ عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، والحرص على الاقتداء بسنّته. في عهود الدول الإسلامية المتتالية قبل انتهاء عهد الخلافة الراشدة كانت المدينةالمنورة لا تزال عاصمة الإسلام الإدارية والثقافية، ولم يؤثر نقل الخلافة الإسلامية على ريادة المدينة الثقافية بين المدن الإسلامية كافة، فقد تواصل النشاط العلمي الثقافي وبلغ ذروته في العهد الأمويّ، وظهر في المدينةالمنورة عُلماء كبار، كانوا أول من وضع أسس العلوم الإسلامية المختلفة، في الفقه والحديث والتفسير وأصولها، وفي اللغة العربية وعلومها. ويُرجع العلماء المذاهب الفقهية المشهورة كافةً إلى المدينةالمنورة وعلمائها، حيث اشتهرت بالفقهاء السبعة الذين انتهت إليهم الفُتيا في المدينة بعد الصحابة، كما أنّ إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه كان إليه منتهى الفقه في زمانه، وكان من أهل المدينة. كما شهدت المدينةالمنورة أولى مراحل تدوين العلوم الإسلامية، خاصة في الحديث والفقه، ودارت معظم أسانيد رواية الحديث النبوي على رواة من أهل المدينة من الصحابة والتابعين. وانتشرت الكتاتيب ومجالس الإقراء والحديث، ونوادي الأدب والشعر، والقصص والسير والتاريخ. وفي العصر العباسي استمرّ إشعاع المدينة الثقافي، بما ازدهر بها من علوم، وما أثرت به في مجال الثقافة الإنسانية عمومًا وثقافة الدولة الإسلامية خصوصًا، حيث كان لها دور فعال في تشكيل الأنماط الثقافية التي عرفها المسلمون في العصر العباسي، نتيجة لحركة العلماء وتبادل الأفكار، التي مهدت بدورها لحركة الازدهار الثقافي الإسلامي المشهودة في القرون اللاحقة، تلك الحركة التي نمت بذورها في مدرسة المدينةالمنورة الثقافية، وأثرت في التشكيل الثقافي للأمصار الإسلامية، ونجحت في التصدي لحركات الفرق والجماعات المنحرفة، التي عمت العالم الإسلامي منذ قيام الدولة العباسية، وكان الفقه الذي ازدهر في مدرسة المدينة وانطلق منها السياج الواقي بعد حفظ الله، أمام تلك الفرق والمذاهب. كما أنتجت تلك الحركة العلمية الإسلامية اكتشافات كبرى في العلوم الإنسانية والطبيعية استندت إليها معظم الاختراعات والاكتشافات العلمية في ذلك العصر وفي العصور التالية، وامتد تأثيرها إلى يومنا هذا حتى على أحدث المخترعات التقنية، وكان لعلماء المسلمين أعظم الأثر في مدّ البشرية بالعلوم وإخراجها من عصور الجهل والانحطاط إلى عصور العلم، حتى غدت أُمَماً متقدِّمة. وحفلت المدينةالمنورة بعدد من المكتبات الخاصة والعامة، وترك طلابها وعلماؤها كمًّا كبيرًا من الكتب المخطوطة في شتى العلوم. وظلت المدينةالمنورة تخدم النشاط العلمي الإسلامي، ولم تنقطع مشاركتها الثقافية في نهضة الأمة على مدى عهد الدولة العباسية الممتد، وكان لعلمائها على مدى تلك القرون اليد الطولى في التأليف والتدريس وتجديد العلوم. ما قبل العهود المتأخرة وجاء العهد المملوكي امتدادًا للنشاط العلمي في المدينةالمنورة في ذلك العصر، وكان التعليم أبرز مظاهر الحركة الثقافية آنذاك، حيث شمل حلقات العلم المتنوعة في المسجد النبوي، والدروس الراتبة في المدارس، ومجالس المذاكرة في الأربطة والبيوت، والتعليم الأوليّ في الكتاتيب. وظلت المدينة مزارًا علميًّا وثقافيًّا في العصور المتأخرة، ولم تغِب عن المشهد الثقافي الإسلامي بل ظلت فاعلة فيه مستمدّة قوّتها من تَوْق الأفئدة إلى زيارتها، وشوق النفوس إلى السكن فيها، وقصدها كل من كان مهتمًّا بعلوم الفقه أو الحساب أو الطب أو الفلك أو الفلسفة، فهاجر إليها كثيرون من علماء العالم الإسلامي، وتتلمذ على يديهم الكثير من أبناء الحجاز. وتميّزت الحركة العلمية والثقافية في المدينة عبر العصور بميزة «المجاورة»، حيث يَفِد إلى المدينة علماء مشهورون، ليقيموا فيها بضع سنوات أو إلى آخر حياتهم ويواصلوا عطاءهم العلمي في مستقرهم الجديد، مستعينين بقوة روحية تعينهم على مزيد من الإبداع، فيجلس بعضهم في المسجد النبوي، ويجتهد بعضهم الآخر في أن يجد موقعاً دائماً له في الروضة الشريفة، ويلتقي العلماء من أنحاء العالم الإسلامي، ويتحاور بعضهم في قضايا مختلفة، ويأخذ بعضهم من بعض، ويقرأ بعضهم على بعض، فتنفتح آفاق جديدة وثريّة من الإبداع. وكانت حلقات المسجد النبوي أشبه بجامعة حرة مفتوحة فيها شيوخ مقيمون، يديرون حلقاتهم لسنوات طويلة، ويتخرّج منها العشرات من طلاب العلم، يتحوّل معظمهم إلى شيوخ في المدينة، أو في المدن التي جاوروا فيها، أو التي يرحلون إليها بعد ذلك. وفيها شيوخ زائرون قدموا للمدينة في زيارة قصيرة أو جوار محدود، وكانت لهم شهرة سبقتهم إلى المدينة، فأقبل عليهم الطلاب والعلماء، وسألوهم أن يحدِّثوهم أو يقرأوا عليهم شيئًا من مؤلفاتهم، أو من التراث، فتصدّروا لذلك مدة من الوقت ثم عادوا من حيث أتوا، كما شهدت المدينةالمنورة في هذا العهد إنشاء عدد من الأربطة والمدارس والزوايا والمكتبات. العهد السعودي الزاهر بدأ العهد السعودي في المدينةالمنورة في التاسع عشر من شهر جمادى الأولى عام 1344ه، عندما بايع أهل المدينة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله على يد ابنه الأمير محمد، ولم تكن بداية العهد السعودي حدثًا عاديًا رغم كل ما صاحبه من طمأنينة وسلاسة، بل كان نتيجة لسلسلة من الأحداث، تمتد جذورها لسنوات عدة، عاش فيها أهل المدينة موجات متوالية من القلق والاضطراب، بل ومن الحصار والجوع والتشريد، وهو ما أثّر بدوره على الحياة الثقافية في المدينة، حيث مرّت المدينة بفترات كانت فيها شبه خالية من أهلها فضلاً عن وجود نشاط ثقافي فيها، بالرغم من بقاء خيوط من الصلة ربطت المجتمع بعصر الازدهار الثقافي السابق واللاحق. وجاء العهد السعودي والمدينةالمنورة تزخر بكثير من المدارس والكتاتيب التي لا يكاد يخلو منها شارع، كما كانت حلقات المسجد النبوي مفتوحة تستقبل الطلاب والدارسين، وكانت الأندية الأدبية والثقافية حافلة بالأدباء والمثقفين، إلا أن فقدان نعمة الأمن، وتكرار الاضطرابات السياسية كان قد عطل الحركة الثقافية، حتى منّ الله على المدينة وأهلها بالأمن والأمان الذي صاحب وصول الحكم السعودي. وما أن استقرت الأمور في منطقة المدينةالمنورة خاصة، وفي الحجاز عامة، وانتظم عقد المملكة حتى بدأت الحياة الثقافية في المدينةالمنورة تستعيد عافيتها، وتتجه نحو التطور والارتقاء شيئاً فشيئاً مواكبة لتطور جوانب الحياة الأخرى، الاقتصادية والاجتماعية ومتفاعلة معها، والتي استفادت كلها من حالة الأمن والطمأنينة التي انتشرت في سائر أنحاء المملكة، وظهرت بوضوح أشد في المدينة ومكة وفي طريق الحجاج بعامة، والتي حرص الملك عبدالعزيز رحمه الله على تأمنيها ونجح في ذلك نجاحًا كبيرًا، فتهيأت لمحاضن الثقافة ظروف رعاية ما تحتضنه، ومنحت المبدعين والمثقفين وطلاب العلم فرصة تنشيط إبداعهم وزيادة عطاءاتهم أو مكتسباتهم من معين الثقافة، وتتمثل المحاضن الرئيسية للحياة الثقافية آنئذٍ في حلقات العلم في المسجد النبوي، والتعليم الرسمي والأهلي، والصحافة، والمجالس الثقافية بما فيها من مثقفين وأدباء. وشهدت المدينةالمنورة في عهد الأمير محمد بن عبدالعزيز رحمه الله افتتاح أول مدرسة سعودية، وضمّت طلابًا من مدارس كانت موجودة سابقًا، وآذنت بانطلاق التعليم الرسمي في العهد السعودي، وتلاها افتتاح عدد من المدارس والمعاهد العلمية. كما عادت المدارس الأهلية في المدينة إلى نهضتها، مستفيدة من تجربتها الطويلة في إنشاء وإدارة تلك المدارس بفضل الله ثم بفضل الأوقاف الخيرية التي كانت النواة الأولى لتأسيسها. ونالت مدارس المدينةالمنورة شهرةً عليا وتخرج فيها طلاب أصبحوا فيما بعد من أبرز قادة الفكر والثقافة والسياسة في المملكة. ولم تُحرم الفتيات من التعليم في المدينةالمنورة، بل كانت كتاتيبهن حاضرة قبل الوجود الرسمي لتعليم البنات، وتأسست بالمدينة أكثر من سبع مدارس أهلية للبنات ضُمّت فيما بعدُ لنظام التعليم السعودي. وازدهر التعليم النظامي في المدينةالمنورة حتى صارت تحتضن مئات المدارس للجنسين، وعدداً من المعاهد والكليات. وشهدت المدينةالمنورة تأسيس الجامعة الإسلامية عام 1381ه لتستقبل أبناء المسلمين من كافة أنحاء العالم لدراسة العلوم الشرعية والعربية، حيث تخرج فيها أكثر من أربعين ألف طالب يمثلون أكثر من 167 جنسية، عادوا إلى بلدانهم محمَلين بالعلوم الإسلامية الصافية، ليكونوا دعاة خير وسلام في شتى أرجاء العالم. كما توالى افتتاح فروع للجامعات في المدينةالمنورة، فأُسس فرع جامعة الملك عبدالعزيز وفرع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ليتحولا فيما بعد إلى جامعة طيبة التي يدرس بها بجميع فروعها أكثر من 60 ألف طالب وطالبة في مختلف التخصصات والعلوم. وظل نمو التعليم في المدينة في ازدهار بدءًا من عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله إلى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يحفظه الله، وبلغ نموًّا لم تشهد له المدينة مثيلاً. ولا زال المسجد النبوي يواصل عطاءه العلمي والثقافي إذ يضمّ عشرات الحلقات العلمية لعلماء كبار، وعدداً من الحلقات الموسمية للحجاج والزوار بمختلف اللغات، إضافة إلى مكاتب التوعية والإرشاد والإفتاء المنتشرة في جنبات المسجد وفي المنطقة المحيطة به وفي مواقع معالم المدينةالمنورة التاريخية. كما تنتشر في مساجد المدينةالمنورة حلقات علمية تحت إشراف الجهات الرسمية، منها ما هو دائم ومنها ما يرتبط بدورات موسمية. ولم تخفت ظاهرة المجالس والأندية الأدبية والثقافية الخاصة في المدينة؛ ففضلاً عن الدور البارز لنادي المدينة الأدبي الثقافي؛ لا زالت تعقد مجالس خاصة في البيوت والمزارع، يلتقي فيها جمع من المثقفين والشعراء والكتّاب ومحبي الثقافة، لمناقشة قضايا علمية أو أدبية أو ثقافية، تُثري الساحة بإبداعات مختلفة، وتقوي روابط التواصل بين أهل الثقافة والأدب. وهاهي أنظار العالم تتجه إلى المدينةالمنورة بعد اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 1434ه/ 2013م، اعترافًا بفضلها على مدن العالم في نشر العلم والخير والثقافة الإسلامية على مدى أربعة عشر قرنًا لم تهدأ خلالها الحركة العلمية والثقافية بالرغم مما تعرّضت له من عوامل في مراحل تاريخية مختلفة.