المتدارك أو الخبب هو البحر الثاني من الدائرة الخامسة، يزعمون أنه فات الخليل، وأن الأخفش تداركه عليه، والحق أنه لم يفت الخليل، فهو ظاهر سهل الفكّ من الدائرة، والخليل فك جميع البحور المستعملة والمهملة من الدوائر، وبعضها شديد الخفاء، أفيعجز عن فك بحر ساذج كهذا، وبخاصة أنه معكوس المتدارك: فعولن (لن فعو، لن فعو، لن فعو، لن فعو) ويتحول إلى (فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن) لكن الخليل كان يستهجنه ويزدريه، وكان الشعراء قبله لا يرونه شيئا، ويستعيبون النظم عليه، فقل في أشعارهم إلى حد الندرة، لذا سكت عنه الخليل، لا جهلا به ولكن استهانة أو ازدراء له، وترفعا عن وضعه مع بحور شريفة كالطويل والكامل والوافر، أو لأنه رأى دخول التشعيث أو القطع في حشوه، وهوّلَ العروضيون أمره وجعلوه مما استدرك على الخليل ونسبوه إلى الأخفش، والخليل أكبر من الخبب ومن الأخفش معا.. والذين يزعمون أنه فات الخليل لا يعرفون قدر الخليل، فصنعته في الدوائر، وتصنيفها، واستخراج مستعملات البحور ومهملاتها من تلك الدوائر شيء مذهل، لا يطيقه عقل غير عقل الخليل، وهي صنعة تنبئ عن عقل جبار مبدع، أبدعها وتعداها ذلك العقل إلى تقليبات الألفاظ جذورها ليضع بين أيدينا مستعمل الكلام ومهمله بطريقة رياضية حاصرة جامعة مانعة، فلله درّ هذا الخليل! ما أعظم عقله! فلا تعجب لو كُشف في أرض وبار عن مخطوط في التراجم يدعي أن الخليل كان من جن نصيبين الذين أسلم أجدادهم.. فإني سأكون أول المؤمنين بانتساب الخليل الفراهيدي إلى جن نصيبين المسلمين! وبحور الشعر أربعة أنواع: 1-(بحور شريفة) وهذا ترتيبها في الشرف الأدبي وقبولها لدى الشعراء: الطويل ثم الكامل ثم البسيط ثم الوافر ثم الخفيف. 2-(بحور عريقة) ولكنها لم تدرك الشرف وهي المديد والسريع والرمل والرجز والمنسرح. 3-(بحور ضعيفة) رخوة وهي الهزج والمتقارب والمجتث والخبب (المتدارك). 4-(بحور خبيثة) وهي المضارع والمقتضب. وأرجو أن أكون مصيبا في هذا التقسيم.. نعم، ولمعرفة شويع البحور كلفت طلابي في الماجستير بإجراء دراسة إحصائية على البحور في الشعر العربي للوقوف على ترتيبها في الشيوع والنظم عليها مستخدمين موسوعات الشعر، فجاءت النتيجة على هذا الترتيب: الطويل – الكامل – البسيط – الوافر – الخفيف – السريع – الرجز – المتقارب – الرمل – المنسرح – المجتث – الهزج – المديد – الخبب (المتدارك) – المقتضب – المضارع. وينقل البستاني في إلياذة هوميروس أن الخليل كان يعرف هذا البحر ولكنه أهمله؛ لأنه يغاير أصوله التي سار عليها بدخول التشعيث أو القطع في حشوه، وهما من خصائص الأعاريض والأضرب لا الحشو. ومن القصائد الذائعة المنظومة على هذا البحر قصيدة قصيدة الحصري القيرواني، التي يقول في مطلعها: يا ليلُ، الصبُّ متى غَدُهُ أقيامُ الساعةِ موعِدُهُ رَقَدَ السُمَّارُ وأرَّقَهُ أسَفٌ للبَينِ يُردِّدُهُ فبكاهُ النجمُ ورقَّ لهُ ممَّا يَرعَاهُ ويرصدُهُ نَصبَتْ عينايَ لهُ شَرَكاً في النَومِ فعزَّ تصيُّدُهُ وعارضها شوقي بقصيدة شهيرة منها قوله: مُضناك جفاه مرقدُهُ وبكاه ورَحَّمَ عُودُهُ حيرانَ القلبِ معذّبُهُ مقروحُ الجَفنِ مُسهّدُهُ والعجيب أن بعض المصادر تضبط مطلع قصيدة الحصري هكذا: (يا ليلَ الصبِّ متى غدُهُ) وهذا لا يستقيم مع مراد الشاعر، والصواب: ( يا ليلُ، الصبُّ متى غدُهُ) الجامعة الإسلامية - المدينةالمنورة تويتر/ sa2626sa@