، لقد ولدنا في هذه الصحراء ونحن نحبك ، وننتظر قدومك كل عام . نستعيد تاريخنا الطفولي حين كنا نصطف تحت مرازيب بيوتنا عراة لتذهب عنا غبار الصحراء وهموم الانتظار . نستعيد لحظات السعادة ونحن نجمع قطراتك البلوريّة بأناملنا الغضّة وحاملين القدور والصحون لنملأها من لؤلؤك الجميل . شكرا لك أيها المطر فلقد عشنا معك نصف أعمارنا لا نعرف شيئا عن النفط ومتاعبه ، فلا يحسد أحد أحدا ولا يأخذ أحد نصيب أحد. فتحنا لك قلوبنا وحزمنا جبالنا أحواضا للخضرة نجعلك فيها مزهرية الروح وعطر الصحراء وخزينة الحياة . شكرا لك أيها المطر لأننا حين يأتي موسمك الجميل يأتي اللوز والتمر والعسل والموز والليمون وقصائد الشعراء ومواويل النساء على الآبار وفي بطون الأودية وبين جدائل القمح والذرة وتحت ظلال النخيل وكروم العنب . شكرا لك لأنك تغمرنا بالدفء وتعرش أصصنا بالريحان ، وغلالنا بالقمح والتمر وحظائرنا بالأنعام . صحبناك فكنت نعم الصاحب ، وغبت فكنت نعم المنتظر . كنت فاتحة القصيدة ، وقابلة الفرح ، ومائدة البهجة نفرح لقدومك ، ونودعك على أمل اللقاء بك في موعد فرح لا يقبل التأجيل . وعلى عادتك تأتي محملا بالبراعم والفراشات الملونة والمواويل البيضاء . في زمن النفط كنت تأتي على عادتك تبحث عن محبيك ، ولكن حبك من طرف واحد . فقد اقتسمنا الملح مع أسماك البحر الأحمر والخليج العربي ، و غرسنا النخيل على شطآن مياه الصرف الصحي فكانت مدننا علبا من الإسمنت وحدائق كئيبة من البزروميا والنخل الكذاب . علمتنا أنك لا تحب أن يجلس في طريقك أحد لأنك تريد أن تزور الجميع بلا استثناء ، ولكننا قررنا أن نعترضك في منتصف الطريق لنقول لك لا . الفاسدون قالوا لنا : تغير المناخ و ضاقت الصحراء بأهلها فخططوا بطون الأودية وزرعونا في طريقك وجئت على عادتك تريد زيارتنا فوجدتنا في المكان الخطأ فلم تجاملنا . علمنا هؤلاء أن نكرهك لأنك لا تجامل ، و لا تخطئ الطريق ، وقانونك لا يستثني أحدا . لكننا سنظل نحبك أيها المطر فأنت تغسل وحشة الصحراء ، وتزرع فسائل الفرح ، و وتضيء مدارج الروح . وسنظل نحبك لأنك في كل عام تقدم لنا تقريرك السنوي الذي يتسم بالنزاهة والشفافية عن فسادنا الذي يتناسل كالفطر السام . من جدة إلى تبوك إلى مدن مازالت تنتظر تقريرك المجاني بدون مقاولات باطن . أيها المطر شكرا لك لأنك أنت الوحيد الذي تحدث بالدليل القاطع عن فسادنا ، لهذا سنظل نحبك وننتظر قدومك وتقريرك السنوي عن فسادنا الذي لن يكشفه إلا أنت ، أيها المطر سأخبرك ماذا سيحدث ، ستشكل اللجان ، وستجتمع وقبل أن تأتينا في العام القادم ستثبت اللجان أنك كنت متجاوزا السرعة القانونية فبلغت 20 مليمترا ، وأن أرضنا مصابة بعسر البلع و أنابيب صرفنا تعاني من حالة احتقان . شكرا أيها النبيل فنحن في انتظارك . [email protected]