في زمن كثرت فيها الشهادات الوهمية بغية الحصول على هدف معيّن، وربما أراد الشهرة والوجاهة والأضواء ليحمل قبل اسمه مسمى الدكتور أو المهندس، وقد يكون الضغط الاجتماعي للحصول علي الوظيفة سببا من الأسباب، ومما ساعد على تفشّيها في المجتمعات،عدم وجود الرقابة والعقاب الصارم الذي يردعهم، مما جعل الطريق ممهدا للحصول عليها، و جعلهم يشترونها بمبالغ زهيدة، بينما الاستفادة العلمية منها ضعيفة.. لا نشكك في الناس وإنما الحدّ منها هو المطلب الشرعي والاجتماعي «. العقاب لا يكفي في البداية وصفها عضو الشورى السابق والمستشار في وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله أبو عمة فقال : إن الشهادات المزوّرة أصبحت شبيهة ب»المخدرات» لا تستطيع جميع دول العالم أن توقف هذه الشهادات المزوّرة والتلاعب الذي يحدث بها، لافتًا إلى أن الدول مهما عملت وفعلت للحدّ منها لابد أن تمر نسبة من الشهادات المزوّرة، مؤكدا أنه لا يوجد هناك جزاء صارم ضد أصحاب الشهادات المزوّرة سواء فصله من عمله أوغيره، وأن دول العالم تحتاج إلى إعادة ضبط في أنظمتها فيما يخص هذا الشأن. وأرجح أبو عمة أن من أسباب تكاثر الشهادات المزورة في الآونة الأخيرة هي مواقع التواصل الاجتماعي والصحف المختلفة، التي ساهمت في تضخم الموضوع وجعلت هناك صدى كبيرا شكك في أصحاب الشهادات الرسمية أنفسهم، وقال : إن الشهادات المزورة موجودة منذ القدم، مرجعا إلى أن زيادة عدد الشهادات المزوّرة مؤخرا وزيادة حصولها ، يعود إلى انتشار التعليم الالكتروني، لافتا إلى أن بداية التعليم الالكتروني لم يكن وفق ضوابط جيدة ومعايير واضحة، وأن بعض الجهات المزوّرة قد دخلت من هذا الباب كان قد أدى إلى تعثر التعليم الإلكتروني كثيرا، وأن وزارة التعليم العالي تستطيع التمييز بين الشهادات المزوّرة والحقيقية إلى حد كبير سواء عن طريق المعادلة أو غيرها، ولكن لا تستطيع أن توقف هذا التلاعب في الشهادات المزوّرة». ونوّه الدكتور أبو عمة إلى أن وجود بعض الشخصيات رفيعة المستوى في المجتمع يكون في مرتبة وظيفية عالية ويكون لقبه دكتور أو مهندس وهو أساسا لا يحمل هذه الشهادة وإنما مجرد لقب للكثير في المجتمع. واستغرب أبو عمة العقاب المتخذ بفصل صاحب الشهادة من عمله، وأن صاحب الشهادة يستطيع أن يعمل في مؤسسة أو شركة أخرى بهذه الشهادة ولا أحد يعلم بذلك، وقال : إن الشخص لن يخسر شيئا أبدا بهذا الجزاء حتى إن اكتشف بعد ثلاثين عاما، وأن الشخص المزوّر لا يخسر على شهادته سوى بضعة دولارات، بينما يجني من خلالها دخلا شهريا يفوق هذا السعر بمئات المرات بسبب شهادته التي لم يخسر عليها كثيرا»، وأضاف: «» على الجهات المعنية والوزارات أن يتأكدوا من الشخص قبل التعيين بوظيفة، ويتم التأكد منه ومن شهادته سواء عن طريق التقويم أو المقابلة أو الأمور المشابهة لها». وأكد عضو الشورى السابق والمستشار في وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله أبو عمة أن لدينا فجوة كما في الغرب فجوة، وأننا لا نشكك في الناس بشهاداتهم ونبدأ بإلقاء التّهم عليهم، فيوجد الكثير ، علّم وتعلّم وحصل عليها باستحقاق، وأوضح عضو الشورى السابق والمستشار في وزارة التعليم العالي الدكتور عبدالله أبو عمة أن الغالبية ممن حصلوا على الشهادات المزوّرة كانوا بسبق إصرار منهم، بينما البعض الآخر قد غرر بهم، مشيرا إلى أن البعض من المبتعثين يتغافل للحصول على الدرجة، ولا يبحث عن الجامعة ويتحقق منها سواء عن طريق الملحقية الثقافية أو عن طريق وزارة التعليم العالي، وطالب أبو عمة كل من تكتشف شهادته مزوّرة أن يتحلّوا بما تحلّى به رئيس جمهورية المجر الذين استقال بعد أن اكتشف أن شهادته مزوّرة. العار والفضيحة من جهة أخرى قال عضو الدعوة والإرشاد المتعاون بوزارة الشؤون الإسلامية، وعضو الجمعية السعودية للعقيدة والأديان وإمام وخطيب جامع سهل بن سعد بالرياض الدكتور إبراهيم بن محمد الزبيدي أنه أصبح من السهل الحصول على الشهادات المزورة سواء عن طريق الأموال أو عن طريق المعارف، سواء للبحث عن الشهرة والوجاهة أو للبحث عن وظيفة معينة،وأردف بقوله: « هذا الأمر جعل الناس يسلكون هذا المسلك، وان الواقع الذي يعيشونه أنه لا يتوظف حتى يحصل على شهادة عالية، بالإضافة إلى صعوبة الدراسة وتعقيداتها في الجامعات لدينا». وأضاف الزبيدي أنه لا يؤيد الشهادات المزورة لأنها تعتبر نوعا من أنواع الغش، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:»من غشنا فليس منّا»، وتعجب الزبيدي أن يكتشف خلال شهر واحد في وزارة الصحة (500) شهادة مزورة، وقال :» هذه مصيبة عظمى لابد من وزارة التعليم العالي أن تقف للحد من هذه الشهادات التي دخلت مجتمعنا وأضعفت كوادرنا». وقال الزبيدي : إن من الأسباب التي تدعو الأشخاص إلى تزوير الشهادات وإصدار شهادات وهمية هو الضغط الاجتماعي الذي يجده أذا بحث عن وظيفة أو عمل، فالوضع الاجتماعي أجبر أفراد المجتمع إلى نيل درجات عالية للحصول على الوظائف المتعددة، مما أجبر بعضهم للحصول على هذه الشهادات الوهمية لنيل الوظيفة، فيسلكون هذا المسلك لأنهم يجدون الواقع يساعدهم، وأشار الزبيدي إلى أن هؤلاء المزورين بعد أن كشفت شهاداتهم، قد جرّوا الويلات والعارعلى أنفسهم وعلى عوائلهم وأبنائهم فخرجوا بفضيحة ووصمة عار على جبينهم، مرجعا إلى أنهم أعدوا أنفسهم للحصول على الجاه والوظيفة للوصول إلى المكانة الاجتماعية المرموقة ولكن هذا كان زيفًا واضحًا لديهم، وأنه عندما كشف الوضع خرجوا بفضيحة امام أنفسهم وأبنائهم ومجتمعاتهم، ويرى الزبيدي أن يكون هناك اختبارا دقيقا بالإضافة إلى تدقيق جميع الشهادات التي تأتي من الخارج من قبل وزارة التعليم العالي حتى لا ينخر الفساد في جسد الأمة. من أمن العقاب أساء الأدب من جهة أخرى أكد الباحث الاجتماعي صالح بن سعد السبيعي أن انتشار الشهادات المزورة والشهادات غير المعترف بها في المجتمع السعودي بسبب حاجة المجتمع لشغل العديد من الوظائف الطبية والتعليمية والهندسية، مشيرا إلى بروز المشكلات الطبية مؤخرا خير تبيان على وجود مشكلة حقيقية مع الشهادات الوهمية والمزورة. وأوضح السبيعي أن وزارة التعليم العالي في المملكة قد حذرت تكرارا من الشهادات الوهمية ودعت كل من يرغب في مواصلة دراسته أو يرغب في الحصول على درجة معينة مراجعة الوزارة والتأكد من الجامعات المعترف بها في الداخل والخارج ومع الأسف فإن هناك من تجاوز هذه الضوابط والشروط للحصول على شهادات غير معترف بها أو مجهولة المصدر دون مراعاة لهذه الضوابط والأنظمة. وبيّن السبيعي أنه بالنظر إلى واقع المجتمع السعودي اليوم وبحثنا في أسباب تفشي هذه الظاهرة في أبناء الوطن المتعلم وغير المتعلم نجد أنها تعود إلى أسباب عدة كعدم قيام وزارة التعليم العالي بفتح تخصصات متعددة في التعليم العالي تلبي حاجة من يرغب من المواطنين في استكمال دراسته العليا داخل المملكة، بالإضافة إلى كثرة انتشار المواقع الإلكترونية والمكاتب غير المرخص لها وبروز بعض السماسرة والتي تسهل عملية القبول في الجامعات في الخارج مقابل مبلغ مالي كبير. وأوضح الباحث الاجتماعي صالح بن سعد السبيعي أن في المجتمع السعودي أنشئت الهيئات التخصصية والتصنيفية على مستوى العالم والمملكة والتي قامت بمراجعة هذه الشهادات وتبين لها عدم صحتها ومنها الهيئات الصحية والهندسية والتربوية وغيرها من الجهات التي طالبت التشهير بهم ومحاسبتهم بشكل نظامي لقبح هذا العمل وأثره السلبي على المجتمع في مخرجاته وقراراته التي أصبحت في أيدي بعض أصاحب الشهادات غير المعترف بها. وقال السبيعي : إن الشهادات تنقسم إلى أقسام مختلفة وهي: شهادات غير معترف بها، فهي تمت بشكل نظامي وتتطلب حضورا ودراسة وبحثا وتخضع لضوابط وشروط المعهد أو الجامعة التي منحت الشهادة ولكنها في المملكة غير معترف بها، وأيضا شهادات غير نظامية وهي الشهادات التي تم شراؤها عبر المواقع الإلكترونية أو تسهل إجراءاتها بعض المكاتب والأفراد في الداخل والخارج وتتطلب إجراء دراسة أو بحث بسيط يترتب عليه منحه درجة علمية. وأخيرا شهادات مزوّرة، وهي من أخطرها وتعتبر شهادة نظامية ومعترف بها لدى وزارة التعليم العالي في المملكة ولكنها مزورة بالكامل وهذه من أخطر الشهادات التي يصعب كشفها وتحتاج إلى فنيات عالية للكشف عنها. وتكثر في التخصصات الطبية والهندسية والمحاماة .