في الماضي، كان من يحصل على الماجستير والدكتوراه يعاني السهر والجري بين المكتبات لسنوات عديدة، وعندما يناقش الرسالة يحرص على دعوة أقاربه ومحبيه لحضور المناقشة التي يعتز بها كثيرا طيلة مشواره العلمي، أما الآن لا تستغرب إذا فوجئت ان صديقك في العمل أو الحي حصل على الشهادة خلال أيام من خلال زيارة أو اثنتين لمكتب لإحدى الجامعات يقع على ناصية الشارع الرئيسي القريب من حيكم. إنه عصر السرعة والتيك أواي حتى في التعليم. وأدى تباطؤ تحرك وزارة التعليم العالي إلى انتشار دكاكين شهادات “الوهم” العليا بين صفوف المواطنين والمواطنات بشكل لافت للنظر، إذ لا يجد البعض غضاضة في دفع آلاف الريالات في سبيل الحصول على “ماجستير” او “دكتوراه” وهمية بهدف التباهي بها بين الناس أو استغلالها في الحصول على فرص عمل في القطاع الخاص. وفي حين يؤكد البعض أهمية التفرقة بين مجال وطريقة الحصول على هذه الشهادات يرى البعض الآخر ضرورة إخضاع الظاهرة لمزيد من الدراسة للكشف عن الامراض الاجتماعية التي تقف خلفها. وفيما يتراوح الحد الادنى للحصول على هذه الشهادات بين 10 و30 الف ريال تؤكد وزارة التعليم العالي أنها أغلقت 100 مكتب للشهادات الوهمية بعد فترة انتعاش كبيرة لهذه المكاتب حصلت خلالها على 500 مليون ريال بطرق غير مشروعة حسب دراسة متخصصة أجريت لحساب وزارة التعليم العالي. وعلى النقيض من كل ذلك يعتقد أكاديميون أن نظام الجامعات بأفقه المحدود هو السبب الرئيسي وراء انتشار هذه المكاتب. يقول عبدالرحمن الشمراني: لا بد أن نحدد في البداية هل هذه الشهادات مزورة أو غير معترف بها فالفرق بعيد بين المسميات، ومن وجهة نظري أعتقد أن تدني فرص التعليم له دور كبير في لجوء الكثيرين إلى مثل هذه الشهادات من اجل الحصول على وظيفة في القطاع الخاص الذي لا يسأل كثيرا عن مصدر الشهادات مع قلة التوعية بالجامعات غير المعترف بها، إضافة إلى ضعف مراقبة هذه المكاتب. إغلاق باب الدراسات العليا أما رجل الاعمال أحمد العمودي فدعا إلى الحذر من هذه الشهادات خاصة بالمجال الطبي مما يجعلها تشكل خطورة كبيرة على أرواح البشر، مشيرا إلى أن هناك جامعات غير معترف بها من وزارة التعليم العالي أغلبها في الإدارة والاعمال وتخصصات أخرى، وتكاد تكون صحيحة ولا بأس بها. وتساءل ألم يكن صاحبها يعمل في احد القطاعات الحكومية؟ والاهم اعتماد الجامعة نفسها من وزارة التعليم العالي. من جهته يقول محمد الانصار ي مدير شركة العبيكان القابضة: تعد الشهادات العلمية مرتكزا رئيسيا في مسوغات التعيين في جميع الوظائف، وعنصرًا أساسيًا في مفاضلات الترقيات على جميع الأصعدة. وبالنظر إلى الحاجة للترقية التي تصاحبها زيادة في الراتب نجد أن بعض الأفراد أو المؤسسات، التي صنفت نفسها (بالتعليمية) قد وجدت بيئة خصبة لنشر ثقافة الحصول على الشهادات العلمية العليا في فترة وجيزة قد تصل إلى أسبوعين وبمقابل مادي كبير قد يمثل ثروة على مستوى الأفراد في بعض الدول القائمة على تبني مثل هذه الأفكار. وأضاف أن مؤسساتنا التعليمية تعد سببًا رئيسيًا لانتشار مثل هذه المؤسسات الوهمية، وذلك بإغلاقهم أبواب القبول للدراسات العليا في الجامعات أو بحصره على تخصصات محددة ومعينة بصرف النظر عن مستقبل الخطط التعليمية التنموية. ولعلنا بحاجة إلى دراسة وتحليل الأسباب التي دفعت أشخاصا عقلاء لصرف مبالغ نقدية كبيرة للحصول على هذه الشهادات مع سابق علمهم بعدم جدواها. ويدعو الدكتور علي بن صحفان الزهراني الأستاذ المساعد بكلية الطب بجامعة الطائف إلى النظر إلى الباحثين على شهادات الدكتوراه أو الماجستير الوهمية على أنهم يتمتعون بطموح لا حدود له، وقد حاولوا مرارا وتكرارا الحصول على الشهادات العليا بالطرق المشروعة، ولكنهم صدموا بالبيروقراطية التي تئن بها دوائرنا الحكومية وكذلك قلة برامج الدكتوراه فضلا عن التعقيدات في الحصول على المؤهل العلمي، مما حدا بهؤلاء الشباب إلى الذهاب بعيدا للحصول عليها بطريق ملتوية وغير مشروعة فقط لإشباع طموحهم. وأعرب عن اعتقاده بأن انتشار هذه الشهادات يعد مؤشرًا على مرض المجتمع بسبب قبوله لانتشار هذه الظاهرة والتعامل بأريحية مع الحاصلين على تلك المؤهلات غير المعترف بها من الجهات الرسمية. التشهير بالمزورين أما حامد الشمراني فيقول: الدكتوراه المزيفة للأسف تعد من الآفات في المجتمع المعاصر ويتم الترويج لها عبر المواقع الالكترونية والجامعات، وذلك يمثل مشكلة أساسية في مجال الأعمال والمجتمع على حد سواء. فإذا ما قمت بتوظيف شخص قام بشراء شهادة ما فيجب عليك على الفور أن تتساءل عن مدى كفاءته وجودة عمله، وما يدل على سوء أخلاقياته.. وتساءل ألهذه الدرجة انحدرت الأخلاق وارتضينا بالزيف في حياتنا، موضحا أن الأكاديمي والمثقف الأصيل هو ذلك الصادق مع نفسه ومجتمعه ولا يخضع لإغراءات المصالح والمكاسب الشخصية على حساب مجتمعه. ومن وجهة نظري الخاصة أرى أن من الواجب التشهير بمن يكتشف من هؤلاء قبل أن تتفشى سمومهم في المجتمع الذي ينتمون له. ------------------------ 40 ألف ريال ثمن للشهادة يقول خالد الحسيني إنه تقدم لإحدى المجموعات بهدف الحصول على شهادة الماجستير، وتم قبوله بالفعل بعد أن انخدع مع بعض المتقدمين بأن إحدى الجامعات الحكومية متورطة في الأمر، واتضح بعد الحصول على الشهادات انها غير معترف بها بالرغم من دفع 30 ألف ريال. ويقول موظف حكومي: هذه الشهادات اصبحت من اسس المباهاة لدى العديد من افراد المجتمع، ففي نفس الادارة التي اعمل فيها حصل بعض الموظفين والقياديين على شهادات من هذا النوع، وأصبح البعض يذيل اسمه تحت مسمى الدكتور، بل ان البعض يحقد عندما ينادى مجردا من اللقب الذي حصل عليه مقابل 30 أو 40 ألف ريال وهي مشكلة كبرى تحتاج إلى حل. ويشير أحد الحاصلين على شهادة دكتوراه غير معترف بها إلى أنه حصل على الشهادة كتعليم وكوجاهة اجتماعية فقط وليس الهدف الاستفادة منها وظيفيا. ويقول: المرتبة التي اعمل عليها مرتبة دكتور منذ سنوات طويلة، وبالتالي فإن الاستفادة منها في الوظيفة الحكومية غير مطروح نهائيا. ------------------------ وزارة التعليم العالي: إغلاق 100 محل لبيع الشهادات الوهمية وقبول 375 ألفًا بالجامعات في 1435ه أكدت وزارة التعليم العالي إغلاق أكثر من 100 محل لبيع شهادات الوهم في مختلف المناطق بالتعاون مع عدة جهات، ولفتت إلى أن هناك شهادات عليا حصل عليها البعض من هذه المواقع خلال أسابيع أو أشهر، مشيرة إلى أنها غير نظامية وبعض الجامعات افتراضية ولا وجود لها. وأكدت الوزارة أنها توصي بالجامعات المعترف بها عالميا على موقعها الإلكتروني، مشيرة إلى أن فرص القبول الجامعية تصل إلى 300 ألف كرسي حاليا لتصل إلى 375 الف طالب وطالبة بنهاية العام 1435 ه، حيث خصص للخطة الخمسية لمختلف الجامعات أكثر من 200 بليون ريال. وحول حصول الكثير من المواطنين على شهادات عليا من جامعات من خارج المملكة ومعترف بها، أكدت الوزارة أن بعض الشهادات الحاصل عليها البعض من جامعات موثوقة ومعترف بها من الوزارة أمر صحيح غير أن طريقة الحصول على الشهادة تمت بدون موافقة وزارة التعليم العالي. وأكدت الوزارة أن لديها استراتيجية متكاملة خلال خطة التنمية التاسعة التي بدأت هذا العام من أجل التوسع في التعليم الجامعي بشكل كبير من خلال ترشيد القبول في التخصصات، التي يقل الطلب عليها في سوق العمل وبرامج التنمية وربط برامج التوسع في التعليم العالي بالتركيز على البرامج والتخصصات ذات الطلب العالي في سوق العمل، وتضمين مناهج ومقررات التعليم العالي احتياجات سوق العمل من معارف ومهارات واتجاهات وزيادة نسبة المرونة في البرامج العلمية بمؤسسات التعليم العالي والتوسع في نشر آليات التعليم التعاوني بمؤسسات التعليم العالي، وذلك في الكليات التي تتوافق مع هذا النوع من التعليم، والعمل على تلبية احتياجات القطاعين الحكومي والخاص من العمالة من خلال التنسيق بين مؤسسات التعليم العالي والقطاعين العام والخاص لتوفير الاحتياجات من القوى العاملة ودعم مؤسسات التعليم العالي في القطاع الخاص وتحفيزها للتوسع في التعليم العالي الأهلي. ------------------------ مكتب استشاري: مكاتب الجامعات الخارجية جمعت 500 مليون ريال من 13 مواطنًا للحصول على شهادات وهمية كشف مركز استشاري متخصص في كشف الشهادات الوهمية والمزورة ان مكاتب الجامعات الخارجية غير المعترف بها من وزارة التعليم العالي جمعت 500 مليون ريال من 13 ألف مواطن ومقيم حصلوا منها على شهادات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، وذلك من بداية ممارسة نشاطها في المملكة قبل 8 سنوات. وبحسب المركز فإن أسعار شهادات الجامعات الوهمية تتراوح ما بين 10 و30 ألف ريال للبكالوريوس والماجستير والدكتوراه في حين تصل أسعار شهادات الجامعات غير المرخصة إلى 30 ألفًا للبكالوريوس، و45 الفًا للماجستير فيما الدكتوراه تتراوح بين 60 ألفًا و90 ألف ريال. وقال سعيد بن صالح العلي رئيس مركز كويست سنتر للخدمات المعلوماتية والتعليمية ل “المدينة” إن مركزه أجرى دراسة ميدانية بتوجيه من وزارة التعليم العالي لحصر مكاتب الجامعات الوهمية والجامعات غير المرخصة في المملكة وتم التوصل إلى أن 28 مكتبًا لبيع الشهادات الاكاديمية (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه) لا تزال تمارس أعمالها حتى الآن في مجال بيع المؤهلات العلمية لجامعات وهمية او غير مرخصة من وزارة التعليم العالي، وجميعها موجودة في جدة والرياض وبعض المدن الاخرى. وذكر أن الدراسة تم تسليمها إلى وزارة التعليم العالي متضمنة معلومات شاملة عن أسماء المكاتب والجامعات الوهمية وغير المرخصة التي تمثلها، إضافة إلى أسماء القائمين على هذه المكاتب، وغالبيتهم من المقيمين من جنسيات عربية. وأشار إلى أن معظم هذه المكاتب تدعي بأنها تمثل جامعات امريكية او اوروبية او هندية، موضحا أن تجارة الشهادات المزيفة ظهرت في العالم منذ الحرب الاهلية الامريكية وفقًا لما ذكره مدير مكتب الاستخبارات الامريكية لشؤون المنشآت التعليمية في كتابه الشهير (صناعة المليار دولار التي باعت أكثر من مليون شهادة مزورة). ------------------------ فرضية المشكلة: كشف انتشار مكاتب الجامعات الوهمية في المملكة عن ثغرات كبيرة في نظام التعليم العالي والمجتمع يجب التصدى لها لإعادة الهيبة إلى الشهادات التعليمية. التوصيات: تشديد العقوبات على الحاصلين على ماجستير ودكتوراه وهمية القيام بحملة لإغلاق جميع المكاتب المخالفة مساءلة الجهات المختصة لمنح تصاريح للمكاتب رغم معرفة النشاط المخالف