يؤكد ضيفنا أنه لا خوف من غلو الحركات الإسلامية في الوقت الراهن لأن التاريخ علمنا أن الغلو والتشدد إلى زوال، وكما طالب الإسلاميون بنبذ التطرف والتشدد طالب العلمانيون المعتدلون بنبذ المغالاة في العلمانية لأن لها نفس خطر الإسلام المتطرف. مشددًا على ضرورة الابتعاد عن الفكر الانتقامي باعتباره فكرًا صداميًا وتدميريًا. (الرسالة) حاورت رئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة فاس بالمغرب ورئيس منتدى الوسطية المفكر الإسلامي المغربي الدكتور محمود الطلوبي حول هذه الأفكار وغيرها مما أنتجه الربيع العربي في سياق الحوار التالي: كيف ترى المشككين في نجاح التيارات الإسلامية في الحكم؟ في تقديري الشخصي فإن الوقت مبكر جدًا للحكم على تجربة التيارات الإسلامية في العمل السياسي لأنهم لم يأخذوا حتى الآن الفرصة الكاملة والمناسبة لنحكم على أدائهم بالفشل، فيجب أن نعطيهم ولاية كاملة قبل الحكم عليهم بحيث نستطيع أن نحدد في النهاية نسبة النجاح ونسبة الفشل في أدائهم السياسي ونحكم مدى تقدم الحركات الإسلامية التي وصلت إلى السلطة في إنجاز مشروع النهضة الذي جاءوا به، لكن بشكل عام فإننا نقول إن البداية كانت إيجابية حيث نستطيع أن نقول إنهم نجحوا في البدء في بناء الدولة الديمقراطية التي نسمع فيها صوت المعارضة يعلو بشدة ودون أدنى قلق أو خوف، ولم تعد هناك حصانة لأي مسؤول مهما كان منصبه وهذا مهم جدًا ويعد مكسبًا مهمًا للغاية حيث يبدو واضحًا نمو روح العزة والكرامة عند الشعوب. تراجع في الغلو ولكن هناك من يتخوف من نغمة الغلو الديني لدى الجماعات والتيارات السياسية التي تعمل بمرجعية دينية؟ أخالفك الرأي في هذا الأمر فمن الواضح أن نغمة الغلو في تراجع مستمر وحتى التيار السلفي الذي يعد الأكثر تشددًا وغلوًا في التيارات يتراجع يومًا بعد الآخر عن تشدده وغلوه بعد أن كان يكفر الديمقراطية، وظل عقودًا طويلة يرفض تلك التجربة عاد اليوم يقول إن الديمقراطية حلال ويشارك فيها، وبعد أن كان يقول إن الحزبية حرام والنقابة حرام أصبح يؤسس إضرابًا ويشارك في العمل النقابي، وتراجع السلفيون عن تبني الفكر التكفيري نجاحًا كبيرًا للغاية، وثمرة يجب أن ننميها ونحافظ عليها حتى لا يتراجع هؤلاء عن تلك الأفكار البناءة لتقلص ساحة الغلو الإسلامي. هناك من يرى أن الغلو العلماني خطر يهدد المجتمعات العربية والإسلامية في ظل وصول الإسلاميين إلى الحكم فهل تؤيد هذا الرأي؟ هذا أمر بديهي ولكنني أيضًا متفائل بأن الغلو العلماني سيتراجع إن آجلًا أو عاجلًا وعلى سبيل المثال لا يوجد تيار علماني اليوم يستطيع أن يجاهر برغبته في استئصال التيارات الإسلامية أو يطالب بإقصائها عن العمل السياسي أو يعلن رفضه للبرامج الإسلامية. ولا بد أن نعترف أن الربيع العربي أجبر الجميع على التوقف وتجنب الغلو الفكري سواء كان إسلاميًا أو علمانيًا. اعتماد الوسطية وما المطلوب من التيارات الإسلامية من أجل وقف التشدد في صفوف من ينتمون إليها؟ لا بد من اعتماد الوسطية في كل شيء واعتباره المدخل الأساسي لتقديم البدائل الإسلامية لحل كل مشكلاتنا ولابد أن ترفع التيارات الإسلامية مبدأ المصالحة الوطنية وتقصي جانبًا أي فكر انتقامي، ولا بد كذلك من التحاور بين الجميع مهما اختلفت انتماءاتهم السياسية والحزبية والدينية والمذهبية داخل الوطن الواحد، وتتطلب تلك المصالحة الوطنية أن يشارك الجميع في وضع الأساس القوي من أجل نهضة الوطن، وهذه هي الدولة الديمقراطية الحديثة لهذا فعلى الإخوان والسلفيين في مصر أن يعملوا على مصالحة التيار العلماني الوطني وعدم إقصائه من الساحة؛ فمشاركة الجميع في بناء دستور توافقي يعبر عن كل طموح المجتمع المسلم والمسيحي هو عنوان المصالحة في هذه اللحظة ولا بد من إشراك كل الطاقات والخبرات سواء كانت إسلامية أو غير إسلامية في إدارة شؤون الدولة الجديدة، وذلك يتطلب أن يتم اختيار المسؤول بمعيارين معيار الخبرة وكذلك معيار الثقة. تطبيق الشريعة وما رأيكم فيمن يطالبون بتطبيق الشريعة الإسلامية اليوم في دول الربيع العربي؟ هذا الموضوع يتطلب أولًا أن ننشئ نظرية مفهوم الدولة أو بمعنى آخر ما هي الدولة التي نريدها من حيث الشكل أو المضمون، فلا بد من تحديد هل نريد الدولة الدينية أم العلمانية أم الدولة الإسلامية، وفي تقديري فإن الدولة المطلوبة اليوم هي الدولة المدنية ذات الخلفية الإسلامية؛ فالدولة العلمانية مرفوضة وكذلك الدولة الدينية مرفوضة؛ لأن الدولة الدينية رفضت لكل معطيات المجتمع الحديث، وفي الدولة العلمانية فصل تام بين الدين والسياسة، أما الدولة الإسلامية فهي تلك الدولة التي تشارك الأمرين، وعلينا أن نبني الدولة المدنية التي لا نكره أحدًا فيها على الدين، ونحن نريد دولة مدنية نحرر فيها السياسة من الفقه؛ لأن السياسة حكم المتغير وبالتالي فتطبيق الشريعة لا يجب أن يكون بالإكراه، وإنما يكون بالقابلية، ونترك الأمر للشعوب فإذا كانت الشعوب تريد تطبيق الشريعة إذن يتم تطبيقها بحيث نتدرج في تطبيقها، ونضع مراحل منظمة لتطبيقها، وأعود فأؤكد أن العصر الحالي يحتم علينا تطبيق مفهوم الدولة المدنية أما تطبيق الشريعة في التو واللحظة ففيه تجن كبير على الإسلام، لأن التطبيق يتطلب توافر القابلية الشعبية لذلك التطبيق فإن لم تتوافر القابلية لا يمكن تطبيق الشريعة ففي عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- نزلت الآية التي تنبه المسلمين على تحريم الخمر ولكن ذلك جاء بالتدريج وهذا هو ما يعرف الآن باسم فقه الواقع، والأحزاب الإسلامية الموجودة على الساحة اليوم مطالبة بأن تمتلك فقه النص وفقه الواقع، فلا يكفي أن يكون هناك عالم دين كي يدلنا على النصوص الواجب تطبيقها بل لا بد من توافر علماء العلوم الأخرى لتنزيل فقه الواقع على الحياة المعاصرة. دولة الخلافة هذا يقودنا إلى سؤالكم عن الرأي فيمن يطالبون ببعث فكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية من جديد؟ لا يجوز لنا تطبيقه على واقعنا المعاصر فإقامة دولة مدنية ذات مرجعية إسلامية حقيقية يعيد لنا صور النهضة التي عشناها في الماضي، أما دولة الخلافة بمفهومها التاريخي فهذا أمر مستبعد؛ فالاستخلاف في الأرض وإقامة الدولة العادلة كان المفهوم الأساسي الذي قامت عليه دولة الخلافة، واليوم الدول الغربية تحيي بالفعل المفهوم الصحيح للاستخلاف في الأرض؛ فالخلافة ليست أكثر من بناء الإنسان وبناء الحاكم وفق مبادئ الإيمان والرحمة والآدمية والعيش الكريم، وقد يكون هذا الاستخلاف بالنظام الملكي أو الجمهوري أو بالنظام البرلماني؛ فالاستخلاف فيه أشكال متعددة حسب الواقع، ونحن الآن بدأنا بالفعل دخول عصر الاستخلاف بمفهومه الحديث وليس بالمفهوم القديم خاصة أن مفهوم الخلافة القديم كان انعكاسًا لعصر قديم أما الآن فإن المفهوم تغير فليس مطلوبًا أن نتشكل جميعًا في كيان سياسي واحد من حدود الصين إلى حدود المغرب.