رغم روعة قنوات التواصل الاجتماعي وإيجابياتها المتعددة؛ التي أفرزتها آثار القرية العالمية الإلكترونية الواحدة، إلا أن ثمة محاذير وعيوب أخذت تطفو على سطح بعضها.. وإذا كانت تلك القنوات قد فتحت آفاقاً واسعة في علم الاتصال، وربطت القاصي بالداني، وقرّبت الكثير من المسافات والأماكن، وأثْرت المعارف والثقافات والفنون، إلا أنها لعبت دوراً كبيراً في ضعف الاتصال الأسري للفرد، الذي صار كبيراً وصغيراً، شاباً وشيخاً، امرأة وفتاة، كُلٌّ يُغنِّي فيه على ليلاه الإلكتروني والهاتفي والآيفوني.. فما عدتَ ترى أفراد الأسرة يجتمعون في جمعة افتقدها الناس، ولكل منهم شأنه، وهاتفه مطأطئ الرأس يتواصل مع البعيد على النت، ويتجاهل القريب في بيته وأسرته وأهله ومعارفه.. صحيح أن ثمة مجموعات وجدت في الواتس أب واللاين وغيرها من النظم فرصاً لضم معارفهم وأهلهم للتواصل ولمّ الشمل، لكن الأمر في العموم أضرّ باللحمة التي فقدتها الأسرة اليوم.. وذلك جانب من السلبيات لقنوات الاتصال فاق وتجاوز عيوب الفضائيات فيما مضى، التي رغم تنامي أعدادها إلا أنها كانت تجمع الأسرة في مكان واحد.. وأما الجانب الآخر فهو سوء استغلال تلك القنوات ولم يعد الأمر يرتبط بالشباب والصغار بل تعداه للكبار، وصار كل طرف في الزواج يخلو بنفسه، وهاتفه وجهازه المتنقل ليتواصل مع الغير، ولا يبقى للطرف الآخر إلا النذر اليسير.. وقد أثّر ذلك سلباً على الروابط الزوجية، وفاقم في تزايد الطلاقات الصامتة، فالفجوات بين الأزواج في اتساع مستمر، والازدواجية في الشخصيات والكلام والأسلوب استشرت، وصار لكل منهم أقنعة يرتديها عند التعامل مع قنوات التواصل ويبدّلها مع الشريك الآخر.. وليت الأمر توقّف عند هذا الحد بل تعدّاه إلى الانفصالات الزوجية، وتزايد معدلات الطلاق وأحياناً الخيانات إلا من رحم الله. وأما الجانب الثالث فهو بزوغ ظاهرة بدأت تستشري لمجموعات مغمورة همّها التشهير بالناس وتتبع عوراتهم والبحث عن أخطائهم والنيل من أعراضهم.. والعنصرية في التعاطي والتعامل مع بعضهم بدوافع الحقد والحسد والمرض النفسي والشعور بالنقص والعنصرية المقيتة.. حتى أن بعضهم يضطرك حين يستظرف بالنيل منك أو التهتّك باسمك أن ترتدي ثوبا غير ثوبك فتدافع عن كرامتك وتلفت نظره إلى أصلك وفصلك ونسبك الشريف الذي جهله حين نظر إلى اللقب الأول، وهو رد فعل قد يقع فيه المرء ثأراً لكرامته لكنه (مكره مضطر إليه) أوقعه الأحمق العنصري في ذلك السلوك مع أن الناس كلهم خير.. ولا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى.. وقد قدّم لنا سيدنا الحبيب رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم دروساً رائعة في نبذ العنصرية الجاهلية البغيضة فآخى بين المسلمين عرباً وعجماً عبيداً وأسياداً، فلا عبد إلا لله ولا فضل إلا بالتقوى، غير أن ثمة نفر مازالوا يُصرّون على استحضار الفتن.. ونحن كلنا وطن واحد ندين بدين واحد، ولا بد أن نحافظ على وحدتنا، فكل أجزائنا خير يكمل بعضها البعض، وأي ضعف أو تشرذم سوف يضرّ بالكيان. علّمنا صلى الله عليه وسلم أساليب التعامل المهذّب مع الكفار وأصحاب الذمم و(الآخر) بوجه عام، ناهيك عن المسلم.. الله أكبر متى يصحو البعض من النعرة الكاذبة فقد مرّ عليَّ منشور قرأته لأخوة متعاقدين ضيوفاً على بلادنا يخدموننا في شؤون عديدة، ورأيت معاناة بعضهم من سوء أدب بعض أبناء وطننا معهم، وتعاليهم عليهم واحتقارهم لهم، وكانوا يُردِّدون في قهر وألم (إن لقمة العيش مُرَّة وهي التي تضطرنا أحياناً إلى التجاهل وعدم الرد، فنهدر كرامتنا لنمنح كرامة لأولادنا وبناتنا الذين نصرف عليهم في بلادنا). أخيراً ليت السفهاء الذين يتلذذون في احتقار الناس أو يعكرون مياه قنوات الاتصال لتصطاد فيها تغريداتهم والبحث عن مثالبهم والنيل منهم والتشهير بهم بدون وجه حق أو إثبات.. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الآية.. ليت أولئك يصمتون خيراً لهم مما يقولون ويكتبون ويغرّدون، فهم وصمة عار على قنوات التواصل. [email protected]