أقرأ هذه الأيام، أو بالأصح أجدد قراءة، مذكرات أديبنا الكبير الأستاذ عزيز ضياء - رحمه الله - (حياتي مع الجوع والحب والحرب)، الذي يسرد فيه سيرة حياته، التي تبدأ برحلة الشقاء بسبب اندلاع الحرب العالمية الأولى التي اكتوت أسرته بنيرانها شأنها شأن الكثير من الأسر المدنية في تلك الفترة خلال حصار جيش الشريف حسين و القبائل العربية للمدينة والذي بدأ في العام 1916. فقد اضطرت أسرته لاحقاً إلى النزوح إلى الشام في الرحلة التاريخية التي عرفت ب"سفر برلك" وذلك عبر قطار الحجاز أو البابور كما كان يسميه أهل المدينة. *** هي سيرة حياة عائلة عزيز ضياء وعائلات مدنية كثيرة عانت، كما غيرها، حياة قاسية يُقدم لنا فيها الأستاذ الكبير - رحمه الله - مرحلة من التاريخ كما عاشها ذلك الطفل وعاشها معه أبناء جيله. فهي سيرة الجوع، والحرب، والحب، سيرة الأحلام والآمال. تترافق مع سيرة الكفاح التي خاضها عزيز الشاب، ومن خلال هذه السيرة نتعرف الى الحياة في تلك الحقبة المليئة بالأحداث والتغيّرات التي انتهت إلى قيام المملكة العربية السعودية. كما نتعرّف الى العادات والتقاليد، ونمط العيش، والطعام، والعلاقات الاجتماعية في مجتمع متنوع يعيش فيه العربي مع التركي مع الهندي مع القازاقي والبخاري. *** أجمل ما شدني إلى تلك المذكرات لغتها السهلة واستخدامه اللهجة الحجازية في بعض المواضع بكل عفوية. كما شدتني مقدمة مذكرات أديبنا الكبير التي حذر فيها القارئ بأن يتأهب ليقرأ "فصولاً من حياة أعجب ما فيها أنها تافهة وأجمل ما فيها أنها قصة التفاهة، يحياها ألوف من أمثالي الصغار التافهين ... الذين لم يتح لهم أن لمعوا في آفاق العالم الكبير، ولم يجدوا مداخلهم إلى التاريخ ... ليس في حياتهم بطولة أو مجد، أو مغامرات أو مفاجآت أو إثارة من أي نوع ... وإنما فيها، حياة الألوف ... والملايين من الصغار التافهين." *** ولقد عرفت الأديب الكبير شخصياً كإنسان معتز بنفسه، أنيقاً، جنتلمان بكل معاني الكلمة، لا يقل عن أقرانه من أبناء جيله علماً أو معرفة موسوعية، ويتفوق على بعضهم بإتقانه اللغة الإنجليزية، وكان من أوائل من عملوا بترجمة الأعمال الأدبية الإنجليزية إلى العربية في المملكة فترجم ما يزيد عن 30 عملاً روائياً ومسرحياً عالمياً لنخبة من الأدباء أمثال طاغور، أوسكار وايلد، سومرست موم، تولستوي، جورج اورويل، برنارد شو. فهو يرى نفسه في كل واحد من هؤلاء إذ استطاع أن يشق طريقه، كما يقول، "إلى مجلس هؤلاء "العباقرة" وأن أناقشهم في الأدب والفلسفة والفن. وأن أراهم يصغون إليّ! ولا يستهجنون رأياً من آرائي، ولا يجدون ضيراً في أن يخلعوا عليّ لقب " الأستاذ" ... فإن كل ما يرضي غروري، أن أكون صورة طبق الأصل (منهم)"! نافذة صغيرة: [[إنها قصة التفتح للحياة، وسط الخرائب والأنقاض .. تماماً، كما تتفتح زهرة يتيمة وسط حقل مهجور ... كنت أنا أيضاً كهذه الزهرة .. كنت أتفتح للحياة بقوّة، رغم ما يحيط بي من الخرائب والأنقاض ...]] عزيز ضياء [email protected] [email protected]