الكلمةُ في الإسلام لها شأنٌ عظيم ومكانةٌ كبيرة، وأهميةُ هذه (الكلمة) تجدها في أمورٍ كثيرة. يدخلُ الإنسانُ الإسلامَ بكلمة، وقدْ يخرجُ منه بكلمة! يُبرَمُ عقدُ النكاحِ بكلمة، ويُنقضُ بكلمة! تنطلقُ شرارةُ الحروبِ وتُستباحُ الأعراضُ والدماءُ من أجل كلمة، وقد تقفُ وتُحقنُ بكلمة! تُقام الحدود بسبب كلمة؛ ويُعفى عنها بكلمة! في الشريعةِ: الكلمةُ مسؤولية وأجرٌ ومُحاسبة ومُؤاخذة! قال الله تعالي في محكم التنزيل (ما يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ). وفي الحديثِ الصحيح: (الكلمةُ الطيبةُ صدقة)، وربَّ كلمةٍ رفعتْ صاحبها، وربَّ أخرى قالت لصاحبها دعني! وما أعظم هذا الحديث النبوي الذي يُبيِّن مكانة الكلمةِ وأثرها على صاحبها! يقول النبيُ صلى اللهُ عليه وسلم: «إِنَّ العبد ليتكلّم بالكلمة - مِنْ رضوان الله - لا يُلْقِي لها بالًا، يرفعه الله بها في الجنة. وإن العبد ليتكلم بالكلمة - من سَخَط الله - لا يُلْقِي لها بالًا، يهوي بها في جهنم»!! أخرجه البخاري. ومن خلال هذا المدخل وهذا التصوّر الإسلامي للكلمةِ ومكانتها وأثرها، تعظمُ الأمانة وتتأكد المسؤولية، مسؤولية العالم والواعظ، والخطيب والمثقف، والمفكر والأديب والصحفي، والإعلام بكل وسائله، كلُ أولئك ما يلفظون من قولٍ إلا لديهم رقيبٌ عتيد! وحتى تكون الكلمة نافعةٌ وإيجابية؛ ويكون صاحبها (شخص أم وسيلة) مساهماً في خدمة دينه وتنمية وطنه، لابد أن يُراعي وينسجم مع ثابتين وأساسين مهمّين هما بمثابة المحور الذي تتمحور حوله؛ وتنطلق منه الكلمات والكتابات والتوجهات، وهما: ثوابت الدين وثوابت الوطن، وثوابت الدين معلومة مشهورة، لا تخفى ولا يُقبلُ أن تخفى على مثقف مسلم! وثوابت الوطن تعني المحافظة على وحدته ولُحمته وتنميته. فالمثقف الذي يستفزّ المجتمع بطرحٍ فيه تعدٍ على ثابت الدين؛ فإنه يساهم في تأزم واحتقان المجتمع، وبالتالي في التأثير على ثابت الوطن في وِحْدَتِه ولُحمَتِه، ويساهم في نشر جوٍ من الكراهية، والتنابز باللسان والظنون وتبادل التُهم! مع ما في ذلك من سخطِ الله ومَقْتِه! ووسيلة النشر التي لا يكون همّها ولا همّ منْ فيها من محررين أو صحفيين إلا الترصد والتصيّد للأخطاء وتضخيم التوافه، والتعجّل في نشر التُهم جُزافاً قبل صدور الحكم؛ وقبل التثبت، فإنها بفعلها هذا تُساهم في تأزيم المجتمع، وتصويره بصورةٍ سوداويةٍ، وإشاعة جوٍ من عدم الثقة والشك بين أفراده! ولا يعني هذا عدم النقد والتصحيح، ولكن أعني التثبت والتروّي، وتقديم المصالح العليا على مصالح الإثارة والفوز بسبق الخبر! وما نطالعهُ لاسيما في بعض الصحف الإلكترونية من أخبارٍ خير شاهدٍ على هذا، والله أمرنا بالتثبت والتبيّن في الخبر، والعدل في القول!. [email protected]