طرقت عليه الباب فلم يجبني، دلفت إلى مكتبه وألقيت التحية، فلم يحيّني بأحسن منها أو يردها، كان شارد الذهن فانتبه بعد فترة وأدرك وجودي، فرد بصوت خافت، مرحبًا يا صديقي، قلت ما بك يا صاحِ لم تنتبه لقدومي تبدو مشغول البال، ومنذ عدة أيام ألحظ عليك ذلك، قال صدقت يا أخي، فهناك ضائقة ألمت بي، شغلت تفكيري وأرقت منامي، أجبته مبتسمًا أهو ذاك فقط؟ ظننت الأمر جلل، قال بل هو ذاك، قلت أين أنت يا عزيزي من قول الشاعر: ولرب نازلةٍ يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرج ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج واتبعت قول الشاعر بقولي: هوينك يا أخي ولِمَ كل هذا التجهم!؟ نظر إليَّ شذرًا وكأن كلامي لم يرق له، أو لنقل لم يحلُ له كثيرًا، فأردفت قائلًا: وأين منك يُسران يغلبا عسرًا، قال وكيف ذاك؟ قلت تمعن قول الحق عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) ألقى زميلي سمعه وتنهد آخذًا نفسًا عميقًا قائلًا وهو يحاوره ونعم بالله سبحانه، قلت تذكّر قول الله عز وجل على لسان رسوله الأعظم سيدنا محمدٍ صلي الله عليه وسلم مخاطبًا الصديق رضي الله عنه «لا تحزن إن الله معنا» وتابعت معقبًا هذه دعوة من رب الأرباب للتعلق به سبحانه، فهو مسبب الأسباب وخالق الأرض والسماء ومجري السحاب، ولابد لكل معضلة من جواب ولكل مشكلة من حل أو حتى حلول، تمتم صديقي معلقًا دعني يا صاح وحالي فأنت لا تعرف ما حل بي، قلت حتى وإن لم أعرف فإني أرى آثار ذلك باديةً على محياك، واضحة على نفسك، ولكني أردت فقط أن أسرّي عنك، قال لا بأس، لا بأس ورددها وهو يهم بالانصراف. تركته يمضي إلى مبتغاه وخرجت من مكتبه، وقد رأيته بعد أيام يدلف من بعيد وأقبل نحوي هاشًا باشًا، قلت الحمد لله على السلامة أراك وكأنك أحسن حالًا، قال بلى ولله الحمد، زالت ضائقتي، وانقشعت تلك الغيمة التي رانت عليّ فيما مضى، قلت الحمد لله كل حال إذا كانت سحابة صيف، قاطعني والبشر يملأ وجهه قائلًا: تيسرت أموري وذلت لي الصعاب، وانقشعت تلك الغمة، قاطعته مرددًا قول الشاعر: وكم لله من لطف خفيٍ يدق خفاه عن فهم الزكي وكم يسرٍ أتى من بعد عسر ففرج كربة القلب الشجي قال كم نتعلم من دروس الحياة قلت بل الحياة هي نفسها دروسٌ وعبر، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس، ولابد من التفاؤل لتمضي سفينة الحياة تبحر في عباب أمواج الحياة المتلاطمة، ولابد لليل أن ينجلي تكون جالسًا وذنوبك تغفر بدعوة محب لك في الخفيّة أو بصدقة قد نسيتها جارية أو بكلمة طيبة اهتدت بها قلوب لاهية أو مريضًا فتأتيك العافية بدعوة محبٍ صادقة، قال بعد طول إنصات: إذًا لا نملك إلا أن نستعين بالله ونسير، قلت وتمضي المسيرة في دروب الحياة بإذن الله، ثم تركني ومضى وهو يردد: لا يأس مع الحياة. [email protected]