وأنا في سجن العلماء والمثقفين ، أتجول بين الكتب ، وأنظرُ إليها بحزن واسألُ نفسي من الذي سوف ينفضُ الغُبارَ عنها من بعدي ، وهل سوفَ يقرأُها أحد . من الذي سيواسي كتاب لا تحزن بقرائة مقدمته ، ومن الذي سيتصفح شكراً أيُها الأعداء ، وهل سيرى مذكرات على الطنطاوي ، أو أنهُ سيلتقط ديوان أحمد شوقي ، وماذا عن وحي القلم للرفاعي . آآآآه يا صديقي أينَ أنت؟. وفجأه وإذا بالبابِ يُطرق. - من بالباب؟. = أنا القلم . فتحت الباب ، أهلاً وسهلاً بالصديق الحميم (وأنا مطأطأ الرأس) ، فأمالَ رأسهُ ونظرَ إليّ وقال مالي إراك لحنتَ عني يا صاحبي ، وما هذا اليأس الذي أرى؟. لحظةٌ صمت ، ثُمَّ قلت : هل في هذا الزمان مثل أبي حيان؟. فنظرَ إليَّ وقال : ألم تقرأ قولهُ تعالى ((أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا)). ثُمَّ أنشدا قول الطغرائي ( الوزير الشاعر) : ولا تيأسن من صنع ربك إنه=ضمينٌ بأن الله سوف يُديلُ فإن الليالي إذ يزول نعيمها=تُبشر أن النائباتِ تزولُ ألم تر أن الليل بعد ظلامهِ=عليهِ لإسفارِ الصباحِ دليلُ اليأس يا صاحبي مانعُ السعادة ، وداعم التعاسه ، وخليلُ المهزومين ، وشريك المحرومين ، فلا تنظر إلى الكتابِ بحزن ولكن أنظر إلى الناسِ بأمل. أن اليأس لا يقدم حلولاً ، بل يبعث في داخلك الهموم والمتاعب ، والنظر إلى الوراء. إذا أرت أن تصعد الجبل فأنك ستواجه المصاعب التي تعترضُ طريقك ، فإن واجهتها بصبرٍ وأمل فلن تستطيع هزمك ، وإن سلمتَ لها فسوف تعيدك إلى ما هو أبعد من نقطة الإنطلاق . وقد قال الشاعر : لا تحسب المجد تمراً أنت آكله=لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا وهنا يُبين الشاعر أنه مهما كانت الظروف سانحه لك بأن تركب على بساط الريح فلنا تركبه بسهوله ولكن سوف تكابد حتى تصل إليه قال تعالى (( لقد خلقنا الإنسان في كبد )) سورة البلد آيه 4. أقرأ سير المجاهدين والمناضلين لتعلم أنهُ لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس . واليأس مرضٌ نفسيٌ يقتل صاحبه ويجعله يعيش في الخيال . فلا تيأس فإنَ بعد الكربِ فرج وبعد العسرِ يسر. ثم قال : ألا ترى أنك تنظر إلى الناس بقنوط وأنتَ لا تعمل ؟ سكتُ قليلً. فأجاب القالم قائلاً : يا صاحبي أبداء بنفسكَ أولاً=قبلَ أنتقادِ الناسِ هذا دليلِ ودعِ التشاؤمَ قبلَ أن تُقتل بهِ=وأقرأ لِسيرةِ شافعٍ ورسولِ وأسعد بتقليدِ الرسولِ ولا تخف=فسَتُصبحِ الرجُل النبيلَ بقولي وأنصرف