أول أخطاء الإخوان ليس حكرًا عليهم، شاركهم العلمانيون الوقوع فيها على قدم المساواة، خطأ الخلط بين معاني من الضروري التمييز بينها، أولها الفرق بين الحزب والرأي السياسي وبين النظام السياسي. وثانيها أن ثمة فرقًا بين العمل السياسي والعمل الوطني.. تعمل الأحزاب في إطار النظام ووفق ترتيباته، الحزب لا يصوغ النظام وفق آرائه وقناعاته، الأنظمة خارج اجتهادات الفرقاء والأحزاب، فإن كان النظام ديمقراطيًا ليس من حق فريق الإخلال بمبادئ وشروط الديمقراطية حتى وإن حاز الأغلبية، بسبب عدم الانتباه إلى هذا خاض كل فريق معركة المرحلة الانتقالية بشراسة لا تقبل التسويات أو الحلول الوسط، لظنه أن الفوز فيها سيعطيه حق رسم شكل النظام. الخطأ مشترك كما أسلفت، إلا أنه لا يدين إلا الفائز بالمعركة، مع وجود عذر مخفف عنه، فليس الإخوان من نظّم ترتيبات المرحلة الانتقالية، ولا هم أصحاب قرار الانتخابات النيابية قبل الدستور، ولا القرار الذى أجاز للمجلس النيابي اختيار أعضاء جمعية كتابة الدستور. فإن جاءت الانتخابات بمجلس غالبيته تيار ديني، وأدى ذلك إلى جمعية لكتابة الدستور غالبيتها من ذات التيار، فليست غلطة الإخوان، غير أنه كان عليهم تجنبها بأي الوسائل، والوسائل كثيرة.. من كان سيتولى إذن مهمة كتابة الدستور ورسم النظام السياسي؟، أي أحد، فليس مهما من سيكتبه!، لسببين: الأول أن مبادئ الديمقراطية وأركانها معروفة لا تحتاج اكتشافًا، الثاني أنه دستور يكتب فى مرحلة انتقالية يجب أن يتجنب التفاصيل والقضايا الخلافية، كل الدساتير في جميع الأوقات يجب أن تحرص على ذلك، وفي مرحلة انتقال يجب أن يبلغ الحرص ذروته، لهذا لم يك مهمًا من سيتولى الكتابة طالما أن لا تفاصيل ولا قضايا خلافية، وأن المبادئ الأساسية معروفة متفق عليها. ما حدث أن مجريات المرحلة الانتقالية تغاضت عن كل ذلك، فطغى تيار واحد على جمعية كتابة الدستور، وانزلقت بعض مواده إلى تفاصيل وقضايا خلافية كان يحسن تركها للقوانين تحت الدستورية. كان على الإخوان أن يتجنبوا ما استطاعوا الظهور بمظهر مدير المرحلة الانتقالية، أو الراغب في ذلك، فهذه ليست مهمتهم أو مهمة أي فريق آخر، ولا هي بالعمل السياسي، إنما عمل وطني، لا يحتاج لأكثر من توافق على مبادئ قليلة وبسيطة وواضحة، ولا المرحلة تحتاج مديرًا أو وصيًا، طالما النظام المستهدف لا خلاف حوله. ظاهر الحال أنهم ظهروا بمظهر المدير الراغب في الإدارة، حتى وإن لم تك تلك رغبتهم، المهم أنهم بدوا كذلك، مما حدا بكثيرين (حتى ممن ليس لهم موقف عدائي من التيارات ذات الشعارات الدينية) إلى الظن بأن غايتهم الاستيلاء على النظام ورسم مستقبله، فأدى ذلك إلى تكتل مناوئيهم، وظهور خصوم جدد، وساهم في الاقتطاع من شعبيتهم. للحديث بقية، ولعلها بقيات، وقد تطول.