أوضح الدكتور سعد بن عبدالرحمن البازعي عضو مجلس الشورى وأستاذ الأدب بجامعة الملك سعود أن الثقافة العربية والإسلامية تكتظ بالمواقف التي تبين عن إشكالية الوقوف أمام السلطة بأنواعها، مشيرًا إلى أن الفكر بمعناه المعاصر لم يتطور في الثقافة العربية الإسلامية قبل القرن الثاني الهجري بوصفه عصر التدوين، لافتًا إلى أنه من الصعب الحصول على نصوص فكرية تبين عن إشكاليات ناجمة عن العلاقة بين المثقف والسلطة بأنواعها المشار إليها، كما استعرض البازعي نماذج من كتابات ابن المقفع وابن رشد والفارابي في القرن الثاني الهجري، مبينًا أن ابن المقفع في نقده للسلطة العباسية ضمن كتابه «كليلة ودمنة» لم يعفه هذا الابتعاد عبر إدخال الحيوانات واستعارة الكثير من الدعابة من أن يقتل بصورة بشعة وهو لم يبلغ الأربعين من قبل جلاوزة المنصور. جاء ذلك في سياق المحاضرة التي قدمها بمنتدى الثلاثاء الثقافي في الأحساء تحت عنوان «المفكر والرقيب: سؤال القول والفعل»، استهلها البازعي بالإشارة إلى أن الرقابة قد تكون داخلية ذاتية وقد تكون خارجية وهي الأغلب، وهي مشكلة إنسانية وليست محلية، وقد تتفرع لتكون جزءًا من العلاقة بين السلطة والمثقف، فالرقابة قد تأتي من مصادر مختلفة كالمجتمع والاقتصاد والثًقافة وتوقف عندها الكثير من الفلاسفة منذ اليونانيين حتى بدايات الحضارة الغربية، مبينًا أن ميشيل فوكو يعد من أكثر المشغولين بموضوع الرقابة فيما تضمنه كتابه «أركيولوجيا المعرفة» وقارن فيه علاقة المعرفة بالسلطة قديمًا وحديثًا، موضحًا أن فوكو أشار إلى منطقتين تتعرضان لأكثر أنواع المنع والرقابة وهما الجنس والسياسة. كما بين الدكتور البازعي أن الناقد والمفكر الأمريكي ستانلي فيش ينطلق من منطلق مشابه في كتاب له بعنوان «ليس هناك شيء اسمه حرية التعبير .. ومن الأفضل أن يكون الأمر كذلك»، حيث يبين أن الكلام لا يمكن أن يكون حرًا، لأنه لو تحرر بالمعنى الحرفي للكلمة لأصبح بلا معنى أو أهمية، وأوضح أن هنالك قيود دائمة توجه الكلام، وفوق ذلك هناك ايدلوجيات وآراء وقوى سياسية واجتماعية وغيرها من العوامل الأخرى التي تقيد حرية الكلام. واسترسل المحاضر قائلًا: «إنه عكس ما يظن الكثيرون في منطقتنا من العالم، أن الرقابة والقيد حكر على تركيبتنا الثقافية، وألا أحد يواجه مشكلة التعبير غير العالم الثالث وغير البلدان المحافظة التي لم تحقق الكثير في مضمار الحضارة ومنها الحريات العامة». وأوضح أن ذلك لا ينفي بطبيعة الحال وجود فروقا مهمة لا ينبغي لوجوه التشابه أن تلغيها أو تخفف من الشعور بها، وهذه الفوارق هي في النوع وفي الدرجة، فنحن نضيف الدين للجنس والسياسة بوصفهم مناطق محاطة بأسلاك شائكة، كما أن الأسلاك الشائكة لدى فوكو تصبح أسوارًا وقلاعًا حين نأتي إلى مناطقنا الملغومة. المحاضرة شهدت العديد من المداخلات ابتدرها عبدالباري الدخيل بمداخلة حول هروب الشعراء العرب من المباشرة إلى الرمز وأن ذلك في جزء منه هروب من الرقيب، أما الدكتور توفيق السيف فقد اختلف مع المحاضر في التفريق بين المثقف والمفكر بأنهما مختلفان وليسا واحدًا، وكذلك في مصطلحي الخطاب الذي ينتج عن حالة منظمة جماعية ويصدر ضمن إطار جمعي وبين الكلام الذي يعبر عن الذات الفردية فقط وعادة ما يكون متمردًا. فيما طرح الكاتب فاضل العماني إشكالية اتهام المثقف القريب من السلطة بدلًا من توظيف موقعيته. وعلق الأستاذ علي البحراني أن المحاضر لم يلامس الموضوع مباشرة وتجنب التطرق للواقع المعاش، كما تحدث الدكتور حسن البريكي عن تحدي أسطرة القداسة التي أصبحت تشكل سياجًا قويًا وسورًا محصنًا حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، مشيرًا إلى أن الرقابة هي مساوية للقمع وأن وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الجميع مكشوفين حتى في المضاجع. يشار إلى أن الفنانة عبير الفرج أقامت معرضًا صوريًا على هامش فعاليات الندوة.