سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
فكر الإدارة وأدواتها لردم الفجوة البلدية إن بقينا على أساليبنا التقليدية فإن مشكلات مدننا ستتحول إلى معضلات غير قابلة للحل ، و تصبح الحياة فيها صعبة و غير محفزة للإنتاج و الإبداع والتقدم
المتابع لواقع العديد من مدننا يلحظ برغم ما يُنجز و يُنفق على مشروعاتها ؛ أن تفاقم المشكلات و اتساع رقعتها يتم بمعدلات أسرع مما مضى ، و هو في رأيي ناتج طبيعي و متوقع بسبب تأخرنا في المعالجة من جهة ، و توسع المدن و تزايد أعداد سكانها بمعدلات متسارعة من جهة أخرى .. فعلى سبيل المثال تدني المستوى العام للنظافة و تكرار اضراب عمّال الشركات المعنية بها في مدن هامة و رئيسية كمكةالمكرمة و المشاعر المقدسة و جدة يُنبئ عن خلل مستحكم في الإدارة لمنظومة النظافة و البيئة في هذه المدن .. مشكلة الازدحام المروري أيضاً لا تكاد تنتهي و هي في ازدياد مستمر بسبب تأخرنا في تطوير شبكة نقل عام كفؤة على مدى عقود مضت (لم يحظ النقل العام بتطوير يُذكر منذ تأسيس شركة النقل الجماعي عام 1399ه).. مشكلة نقص اللوحات و التخطيط المروري للشوارع (في المدن المتقدمة لا يخلو طريق أو شارع أو حتى زقاق من خطوط و لوحات تنظيم المرور حركةً ووقوفاً) .. مشكلة عشوائية المطبات الصناعية و عدم الالتزام بشروطها بما لا يعرض المركبات للتلف و ركابها للأذى (آثار ارتطام مقدمات المركبات ظاهرة بعد العديد من المطبات الصناعية) .. مشكلة تلف طبقات الاسفلت و الأرصفة حدّث و لا حرج .. مشكلة نقص الحدائق .. مشكلة عدم اكتمال شبكات المياه و الصرف الصحي و آثار ذلك الصحية و البيئية و الاقتصادية (في ألمانيا مياه الشبكات العامة أكثر نقاءً وصحة من المياه المعبأة) .. استمرارعشوائية توسع النطاق العمراني برغم أنه السبب في إرباك برامج و خطط الجهات الحكومية و في تعثر خطواتها من أجل تأسيس البنى التحتية للخدمات .. وعندما نتأمل تراكم كل هذه الإشكالات المتعلقة بمهام البلديات ، و توسع المدن و تزايد أعداد سكانها ، و انتشار الأحياء العشوائية فيها (أكثر من مائة حي عشوائي في مكة و جدة و الطائف) نجد أنه لا يمكن معالجة هذه الأوضاع بشكل جذري من خلال الفكر و الأداء الإداري التقليدي القائم حالياً ، و لابد من تبني فكر إداري جديد و استخدام أساليب إدارية جديدة. كنت قبل أسابيع في مهمة عمل في المنطقة الصناعية جنوبجدة ، و شاهدت تردي حالة الطرق و الأرصفة و النظافة هناك ، و فوضى الحركة المرورية عند تقاطعاتها ، و تذكّرت اتساع مدينة جدة شمالاً و شرقاً ، وأوضاع العديد من أحيائها وبالأخص أحياء الشرق و الجنوب صاحبة النصيب الأكبر من أضرار حادثتي سيول جدة البشرية والمادية ، و تذكرت تكرار إشكالات النظافة و تراكم النفايات ؛ فلمعت في ذهني فكرة إدارية أعتقد أنها كفيلة بإحداث نقلة نوعية في معالجات جذرية لحزمة من تلك الإشكالات ، و تقوم هذه الفكرة على تقسيم مدينة جدة إلى عدة أقسام ، و ليكن ذلك بعدد دوائر الانتخابات البلدية -و أظنها سبعة- أو أقل أو أكثر ، و من ثم تخصيص إدارة محترفة بصلاحيات مرنة و مخصصات مالية كافية لكل قسم من الأقسام من أجل انجاز ما تحتاجه جدة من تحديث و بناء للبنى التحتية و الفوقية ، و قد يكون ذلك بشكل مؤقت كخطة انقاذ ثم تعود الصلاحيات لأمانة جدة ، أو بشكل دائم .. وهذه الفكرة لن تنجح مالم يتم إحداث تغييرات موازية في الفكر الإداري و أساليب العمل في الجهات ذات العلاقة في الاتجاه الرأسي نحو الوزارة ، وفي الاتجاه الأفقي نحو الوزارات الأخرى ، و هو ما يقتضي مشروع تطويرإداري حقيقي ينهض بالبلد و يدفع بها نحو التقدم و العالم الأول الذي ننشده ، مشروع يحتفي بالاختصاص و المختصين و بالاحتراف و المحترفين و الاتقان و الابداع ، و يستثمر طاقات و إبداعات و مبادرات الشباب .. وأما إن بقينا على أساليبنا التقليدية فإن مشكلات مدننا ستتحول إلى معضلات غير قابلة للحل ، و تصبح الحياة فيها صعبة و غير محفزة للانتاج و الإبداع و التقدم .. هذا رأيي أبعثه مع التحية إلى سمو وزير الشئون البلدية و القروية و إلى زملائه أصحاب السمو والمعالي في الوزارات الاخرى .. والله الموفق [email protected]