لا أحد بوسعه إنكار أن فكرة الحجب والمنع في عالم الفكر والمعرفة والثقافة بالوسائل التقليدية أصبح أمرًا يثير الضحك أكثر منه الاستغراب والاستنكار كما كان يحدث سابقًا؛ فالأفكار صنعت لها أجنحة، والمعرفة أصبحت مفتوحة السوق، والثقافة اتخذت مركبات فضائية تنفذ إليك شئت أم أبيت، رغبت أم لم ترغب، ولهذا فلا مناص من التفاعل، ولا سبيل إلا التحصّن – بالوعي، والحوار، ومقارعة الحجة بالحجة، والاستنارة، وغير ذلك من الوسائل الحضارية المتوائمة مع روح العصر المعلوماتي.. وإن كان هذا هو الحال الذي ينبغي أن نكون عليه، فلا غرو أن يشعر الواحد منا بالخجل والمرارة عندما تحاكم أفكار المثقف بشكل أمني غير مبرر.. تمامًا كما حدث للكاتبة والقاصة السعودية الدكتورة بدرية البشر عندما منعت من دخول الكويت برغم تلقيها دعوة رسمية لتوقيع كتابها «تزوج سعودية» ضمن فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب الذي أقيم مؤخرًا. حدث ذلك المنع المفاجئ لأسباب ما زالت غير معروفة بدقة، وصدر من دولة تعد رائدة على مستوى العالم العربي في ممارسة الحرية الإعلامية والإيمان بحرية الرأي والرأي الآخر.. ومعروف عن الكويت أن مجتمعها مثقف ووطني، ومناصر دائم لقضايا المرأة الخليجية والعربية العادلة، لكنها الدهشة.. عندما تعتقد أنك أمام وعي مميز، ثم فجأة يتراجع كل هذا الوعي حد التلاشي، لتكتشف مجددًا أن معضلة الخوف من الأفكار ما زالت قائمة في بعض مجتمعاتنا العربية، خوف ليس له ما يبرره، ولا سند يسوغه، بخاصة وأن الدكتورة بدرية البشر تمثل أنموذجًا لذلك المثقف الذي يحمل همًا إنسانيًا ووطنيًا.. تعبر عن أفكارها في العلن وتحت ضوء الشمس بوصفها أحد الأقلام الواعية المتسلحة بالصدق.. هادئة ومتوازنة في كتاباتها الصحفية ومؤلفاتها الأدبية التي تنتشر في أماكن متعددة في العالم العربي، وهي ليست غريبة عن المجتمع الكويتي فهي تكتب بشكل أسبوعي في صحيفة «الجريدة» الكويتية، ومن يقرأ مقالاتها في تلك الصحيفة يجد أنها ليست تحريضية، ولم توظفها يومًا للإخلال بأمن الوطن وتماسك المجتمع الكويتي، وهو ما أكده رئيس تحرير الصحيفة نفسها.. الأستاذ خالد المطيري، الذي تفاجأ بقرار المنع الذي وصفته بعض الأوساط الإعلامية والثقافية الكويتية بالارتجالي وغير المسؤول، ويعد سابقة في الساحة الثقافية والأدبية في الكويت. قرار المنع صاحبته مفارقتان تثيران الدهشة والاستغراب، أولهما أن كتاب «تزوج سعودية» سمح بعرضه في معرض الكويت الدولي للكتاب برغم منع صاحبته من دخول الأراضي الكويتية لأسباب مجهولة، وأما الثانية فتتعلق برواية «هند والعسكر» للكاتبة نفسها، حيث منعت من البيع في نفس المعرض، وهي ضمن قوائم الكتب الممنوع تداولها في الكويت، برغم فسحها ووجودها في المملكة العربية السعودية. إن لدولة الكويت تجربة رائدة في ديمقراطية الكلمة، ولا يناسب بيئتها الاجتماعية أن يسيء التعامل مع المثقف، ويمنع دخوله البلاد بسبب تحفظات أمنية دون إبداء مبررات واضحة، وكأنه مجرم أو ينتمي إلى تنظيم سري مشبوه، وليت وزارة الداخلية الكويتية بادرت بنشر التقرير الذي بموجبه منعت الكاتبة بدرية البشر من الدخول، فهذا حق لها أولاً، ثم حق لقرائها ومتابعي إنتاجها الأدبي. وما نتمناه ألا توضع حرية التعبير موضع اتهام في دولة قطعت مشوارًا طويلاً في الحياة الدستورية التي كفلت الحريات وفي مقدمتها حرية الكلمة وإبداء التعبير، ومن الجميل أن يكون الحوار الذي يستظل تحت حرية التعبير هو اللغة السائدة للتفاهم وتقريب وجهات النظر بين أشخاص قد يختلفون في أفكارهم وأطروحاتهم، بدلاً من أن تصادر كلماتهم وتهمش آراؤهم، حيث كان بالإمكان استضافة الكاتبة بدرية البشر ومناقشتها في أفكارها بدلاً من حرمان قرائها من لقائها، وهم الذين غضبوا.. ولهم الحق في ذلك.. من أن تمنع نجمتهم الثقافية الخليجية من دخول الأراضي الكويتية، في ذات التوقيت الذي يسمح فيه لنجمة تلفزيون الواقع وعارضة الأزياء الأمريكية كيم كردشيان بالدخول إلى الكويت وسط احتفالية كبيرة.