أواصل الحديث عن مسؤولية خطابنا الديني في تشويه صورة الإسلام لدى الغرب، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، فخطابنا الديني للأسف قام على مفاهيم خاطئة لبعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بالمرأة، وبعض المرويات الموضوعة والمنكرة والضعيفة لإقرار عادات وتقاليد وأعراف لا تمت للإسلام بصلة تحط من قدر المرأة، وتتعامل معها كمخلوق أدنى، وأنَّها مخلوق ناقص غير كامل الأهلية خلق لمتعة الرجل وخدمته فقط، وتُنسب هذه النظرة الدونية إلى الإسلام ففسرت آيات القوامة والنشوز والميراث والشهادة، والدية، وأحاديث نقصان عقول النساء، وعدم فلاح قوم ولوا أمرهم امرأة، وغيرها تفاسير خاطئة، وبُنيت عليها أحكام فقهية خاطئة، معتبرين الرجل المخلوق الأعلى، وهي المخلوق الأدنى، فيفسر ابن كثير قوله تعالى (بما فضَّل بعضهم على بعض ) «أي لأنَّ الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة»، وهذا يتناقض مع عدل الله القائم على ( إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) ,وعلى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) ويتناقض مع قوله عليه الصلاة والسلام « إنَّما النساء شقائق الرجل « « كلكم لآدم وآدم من تراب». ويفسر قوله تعالى : ( وبما أنفقوا من أموالهم ) أي من المهور والنفقات والكلف التي أوجبها الله عليهم لهن، في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه، وله الفضل عليها والإفضال فناسب أن يكون قيِّماً عليها، وهذا يتناقض مع قوله «أوجبها عليها»؛ إذ كيف يكون ما أوجبه الله على الرجل من الإنفاق على المرأة، فضلاً عليها، وهذا من قبيل توزيع المهام، وليس من قبيل التفاضل والأفضلية، ويتناقض مع قوله تعالى ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف). ويقول في تفسير ( واللاتي تخافون نُشوزهن )، فإنَّ الله قد أوجب حق الزوج عليها وطاعته، وحرَّم عليها معصيته، لما له عليها من الفضل والإفضال، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لو كنتُ آمراً أحداً أن يسجدَ لأحد لأمرتُ المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها.» ونجده هنا استشهد بحديث ثبت ضعفه متناً وسنداً، كما نجد ابن القيِّم قد جعل القوامة لونًا من ألوان القهر لأولئك النساء الأسيرات معبراً عن واقع عصره العصر المملوكي، فيقول: « إنَّ السيد قاهر لمملوكه، حاكم عليه، مالك له، والزوج قاهر لزوجته، حاكم عليها، وهي تحت سلطانه، وحكمه شبه الأسير»، ويقول الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي في أحكام النساء : « وينبغي للمرأة أن تعرف أنّها كالمملوك للزوج، فلا تتصرف في نفسها ولا في ماله إلاّ بإذنه، وتقدم حقه على حقها، وحقوق أقاربها، وتكون مستعدة لتمتعه بجميع أسباب النظافة، ولا تفتخر عليه بجمالها، ولا تعيبه بقبيح، وإن كان فيه « [ص 111]، ثُمَّ يقول :»وينبغي للمرأة أن تصبر على أذى الزوج كما يصبر المملوك». ويقول ابن قدامة « ولا يجب عليه أي الزوج شراء الأدوية ولا أجرة الطبيب لأنّه يراد لإصلاح الجسم، فلا يلزمه، كما لا يلزم المستأجر بناء ما يقع من الدار وحفظ أصولها، وكذلك أجرة الحجام والفاصد.» [ المغني، 9/236، كتاب النفقات، فصل رقم «] ويقول أيضاً : قال الزهري : « لا يقتل الزوج بامرأته لأنَّه ملكها بعقد النكاح أشبه بالأمة.» [ المغني 9/377.] ونجد الإمام الفخر الرازي في تفسيره لقوله تعالى : ( ومن آياته أنْ خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) يقول في الآية مسائل :المسألة الأولى : قوله : ( خلق لكم ) دليل على أنَّ النساء خُلقن كخلق الدواب والنبات وغير ذلك من المنافع، كما قال تعالى : ( خلق لكم ما في الأرض ) [ البقرة : 29] وهذا يقتضي أن لا تكون مخلوقة للعبادة والتكليف، فنقول خلق النساء من النعم علينا، وخلقهن لنا وتكليفهن لإتمام النعمة علينا لا لتوجيه التكليف نحوهن مثل توجيهه إلينا، وذلك من حيث النقل والحُكم والمعنى، أمّا النقل فهذا وغيره، وأمّا الحُكم فلأنّ المرأة لم تُكلّف بتكاليف كثيرة، كما كلف الرجل بها، وأمّا المعنى فلأنّ المرأة ضعيفة الخلق سخيفة فشابهت الصبي لكن الصبي لم يكلف، فكان يناسب أن لا تؤهل المرأة للتكليف، لكن النعمة علينا ما كانت تتم إلاّ بتكليفهن لتخاف كل واحدة منهن العذاب فتنقاد للزوج، وتمتنع عن المًحرّم، ولولا ذلك لظهر الفساد.»، وهذا يتنافى مع عدل الله في خلقه، الذي تثبته آيات كثيرة، بل يتنافى مع الغاية العليا لخلقه الخلق التي أعلنها في قوله تعالى ( وما خلقتُ الجنَّ والإنس إلاَّ ليعبدون )، فالله خلقنا جميعاً ذكوراً وإناثاً لعبادته، فكيف ينسب الإمام الرازي نظرة عصره المملوكي الذي يمثل قمة التراجع الحضاري للأمة للمرأة إلى الله ويفسر كلامه بموجبها ؟ ونجد المناوي في فيض القدير يقول إنَّه بيَّن سبب منع المرأة من الولاية العامة والقضاء «وذلك لنقصها وعجز رأيها، ولأنّ الوالي مأمور بالبروز للقيام بأمر الرعية، والمرأة عورة لا تصلح لذلك، فلا يصلح أن تتولى الإمامة ولا القضاء»، كما استدل بقول الشوكاني : « وفيه دليل على أنَّ المرأة ليست من أهل الولايات، لا يحل لقوم توليتها، لأنَّ تجنَّب الأمر الموجب لعدم الفلاح واجب.واستدلال بعض المعارضين أيضاً بقول الحافظ في الفتح : ( ويؤيد ما قاله الجمهور إنَّ القضاء يحتاج إلى الرأي ورأي المرأة ناقص ولا كمال، ولاسيما في محافل الرجال» هذه نماذج قليلة ممَّا هو موجود في بعض كتب التفسير والفقه عن المرأة، والتي بُني خطابنا الديني عليها، والذي بُني عليه نظرة الغرب إلى الإسلام وموقفه من المرأة بصورة خاصة، وهو أيضاً من أهم أسباب تخوف الكثير من أبناء الإسلام، ولاسيما بناته من الإسلام، والحكم بالإسلام، فهم يعتبرونه رمزاً للتأخر والتقهقر، ومن هنا ظهرت الليبرالية في مجتمعاتنا الإسلامية التي ترفض كل ما هو إسلامي طبقاً لما يمثله خطابنا الديني، والمطلوب هو تصحيح خطابنا الديني وما بُني عليه من أحكام فقهية، ثُم تجديده، فلن يتجدد خطابنا الديني ما لم يُصحح. [email protected]