لا يكاد يخلو بيت من عش حمامة على أحد نوافذه، ولا يكاد يخلو شارع من قطة تنبش في حاوية القمامة.. تكثر لدينا القطط الضالة التي تحوم في الشوارع باحثة عن لقمة تسدّ بها جوعها، فلا تجد غير حاويات القمامة التي تمتلئ عن آخرها من كثرة فضلات الطعام التي تُرمى صباح مساء، وكذلك تعرضها لخطر حوادث السيارات التي لا تقيم وزناً للإنسان فما بلك بالحيوان!!.. كما تعشش الحمامات على شبابيك البيوت بحثًا عن الأمان والدفء، ولتضع بيضها بسلام بعيدًا عن الأعداء، وما هي إلا أيام معددة حتى ترتفع أصواتها وهديل صغارها ليل نهار، ولا يقف الأمر عند الأصوات بل يتعدها إلى رائحة وكم الفضلات الهائل الذي يحرمك من استخدام النافذة، لما فيه من أضرار صحية كبيرة.. يحكى أن "نور الدين زنكي" فكّرَ بالحيوانات المُسنَّنة والمريضة التي لم تعد تصلح للخدمة، والتي كان أكثرها قد اشتركت مع جيوش المسلمين في الدفاع والذود عن ديار المسلمين في وجه الصليبيين، فلم يجد شيئاً يجازيها به ويشكر صنيعها الماضي إلّا أنْ قام بتخصيص أرض تقع غرب دمشق تكثر فيها الحشائش، ويمر بها نهر بردى، تُوقَفُ هذه الأرض لحاجة تلك الحيوانات، وأقام عليها بياطرة يعتنون بها! فكانت تقضي بقية عمرها بهدوء، فلا يزعجها أحد ولا تتشرد في الفلوات وفاءً منه لما مضى لها من فِعال.. هذه المعلومة ذكرتني بما شاهدته في تركيا خلال زيارتنا لمدينة استانبول، حيث توجد في منطقة الفاتح حديقة مسورة خاصة بالقطط الضالة، تعيش فيها وتلد صغارها وتربيهم وتأوي إليها، وتأكل مما يقدم لها من المارة من طعام أو تتجول بين زوار الفاتح تأكل ثم تعود إلى ملجئها فلا يعتدي عليها أحد ولا تضايق احدا.. وفي مناطق أخرى كانت أبراج حمام منصوب في وسط باحة تتجمع فيه أعشاش الحمام تذهب متنقلة بحثا عن رزقها صباحا وتعود إلى عشها مساء.. تحكي قريبتي عن خالتها تقول: "كانت خالتي أم سليمان رحمها الله، تحرص على اطعام الحيوانات، فقد جعلت من سطح منزلها ملجأ للطيور والحمام تنثر لهم بقايا الارز والحبوب لتأكلها، وتعمل على تجديدها بين الحين والآخر.. ولم يقف عملها عند هذا الحدّ بل أخذت على عاتقها البحث عن بقايا الطعام في حاويات القمامة، ثم تقوم بالتقاط، اللحم والعظم لتوزعه في الباحات المجاورة لتأكلها القطط. [email protected]