قبل أشهر كتبتُ مقالاً هُنا عن فوضى المدخل الجنوبي لجدّة، وطبعًا لا وزارة النقل، ولا الأمانة، ولا المرور، ولا أمن الطرق، ولا الجوازات، ولا أيّ جهة معنية أخرى، اكترثت بالأمر كما كنتُ أتمنّى، لا لسواد وجمال عيوني، بل لإضفاء مظهر حضاري على أحد مداخل ثانية كبرى مدائن بلادنا، وعاصمتها التجارية، وبوّابة حرميْها الشريفيْن!. والآن زادت الفوضى، وبلغت عنان السماء، فها هو أحد أشهر أطبّائنا النفسيين، الدكتور الفاضل محمّد شاووش، يبعث لي أنه قضى ساعتيْن كاملتيْن وهو يحاول دخول جدّة قادمًا من الجنوب، عبر نقطة تفتيش السنابل، التي يوجد فيها مساران نظاميّان، لكن مع مئات الشاحنات الكبيرة، وآلاف السيارات الصغيرة أصبحا عشراتٍ من المسارات العشوائية، المتوازية، والمتعاكسة، والمتقاطعة بزوايا حادّة، وقائمة، وشبه منفرجة، ومنفرجة، وهات يا ازدحام، وهات يا مخالفات، وهات يا طلوع وتسلّق المركبات على بعضها البعض، وعلى التراب، والأرصفة، وأسطح البيوت، والوِرَش والمعارض المجاورة، وهات يا شتْم بين الناس، وهات يا مضاربات، ويعضد كلّ ذلك شوارع نموذجية جدًّا، لكن في السوء والحُفر والمطبّات!. من قلبي أهنّئ الدكتور شاووش بسلامة الدخول إلى جدّة، وأهوّن عليه مصيبته في بطء دخولها بتذكيره أنه طبيب نفسي، يستطيع بحول الله علاج نفسه ممّا أصابها من ضُرّ، بينما هناك آلاف غيره قد أصابتهم عقدة نفسية من دخولها، ولا يستطيعون علاج أنفسهم، وأقترح عليه تطبيبهم مجانًا، وحتمًا سوف يناله ثواب عظيم من الله الكريم!. أمّا الجهات المذكورة أعلاه، فقد أيقنتُ تمام اليقين أنها لا تريد أحدًا أن يدخل جدّة من الجنوب، لكنّ الحياء منعها من التصريح بذلك، فلم تُركِّب لوحة نيون كبيرة مكتوب عليها بالعربي: (ممنوع الدخول إلى جدّة)، وبالإنجليزي: (No entrance to Jeddah)، والحياء من الإيمان، ولهذا اكتفت بالتلميح دون التصريح، فجزاها الله عنّا خير الجزاء، ويا له من تلميح، فكيف إذا صرّحت؟!. ويا أمان الداخلين أدخلنا مدينتنا بسلاسة وسلامة، فإنّا فيها وعنها تائهون!. @T_algashgari [email protected]