"لا يضير الشاة سلخها بعد ذبحها". تلك هي الجملة التي قالتها أسماء بنت أبي بكر، عندما جاء إليها ابنها عبدالله بن الزبير ليودعها الوداع الأخير، بعد أن تفرق الناس عنه بعد حصار الحجاج له في الحرم قريبًا مِن سَبعَةِ أشهُر يَرميهِ بالمنجنيق. لم يكن عبدالله يخاف من القتل.. ولكنه كان يخاف -كما أخبر والدته- "إنْ قَتَلني أهلُ الشامِ أنْ يُمَثِّلوا بي ويَصلِبوني"! عندها قالت أسماءُ قولَتَها المشهورة: يا بُني لا يُضيرُ الشاةَ سَلخُها بَعدَ ذَبحِها، فامضِ على بَصيرَتِكَ واستعن بالله. **** تذكرتُ هذا الموقف الكبير، وهذا الحوار العظيم وأنا أقرأ الحديث الأخير لرئيس جمعية المتقاعدين الفريق عبدالعزيز الهنيدي، بأن هناك دراسة تتم حاليًّا مع عدد كبير من المتقاعدين تهدف إلى تغيير مسمّى "المتقاعد" إلى مسمّى آخر بديل، قد يكون هو "الموقر"، والمأخوذ من كلمة "الوقار". وكيف أنه في حالة تم التغيير ستتغير بموجبه أسماء عدد من الجهات الرسمية، فمثلاً سيتم تغيير المؤسسة العامة للتقاعد، إلى المؤسسة العامة للموقرين. وقال الفريق الهنيدي إن مُسمَّى "متقاعد" لا يستعمل في الدول الغربية، حيث تستخدم مسميات أخرى مثل الموقر، والذي من شأنه رفع معنويات المتقاعدين. **** ومع تقديري لكلام رئيس جمعية المتقاعدين الفريق متقاعد -أو ما سيكون عليه الحال مستقبلاً- الفريق "الموقر" عبدالعزيز الهنيدي، فإن تغيير مُسمّى "المتقاعد" إلى "الموقر"، أو "المُحترم"، أو غيرها من المُسميات لن يُغيّر من وضعه شيئًا يُذكر. فالتقاعد بالنسبة للموظف الحكومي مصير محتوم، يصله في نهاية مطاف حياته الوظيفية.. وما يهم المتقاعد ليس ما يُضاف إليه من ألقاب، ولكن ما "يُسلخ" منه من مزايا يتمتع بها المتقاعد (المحترم بالفعل وليس القول) في الغرب. **** إن من حق المتقاعدين أن يتمتعوا بحياة معيشية كريمة، وهو ما يستدعي ضرورة تحسين الوضع الاقتصادي للمتقاعدين، ووضع حد أدنى لمعاشاتهم. وتوفير المساكن للمحتاجين للسكن منهم، وعلى رأس كل هذا توفير الرعاية الصحية للمتقاعد عندما تلم به أزمة صحية، ويحتاج إلى العلاج، وذلك من خلال نظام التأمين الصحي للمتقاعدين دون طلب، أو واسطة، أو إراقة ماء الوجه، بل كحق أصيل لهم تضمنهم لهم أنظمة التقاعد التي ينبغي أن تحميه من مخاطر المرض والشيخوخة والعجز في إطار تكافلي يراعي الحاجة والعدالة في توزيع منافع المتقاعدين، ما يساهم في تحقيق الأمن الاقتصادي والاجتماعي لجميع المتقاعدين. * نافذة صغيرة: (في هذه اللحظة المؤثرة أحسُّ وكأنني ورقةٌ فُصلت عن غصنها، فذبلت، أو فرعٌ شُذّب من أصل شجرته فذوى، أو كطائرٍ قُص جناحاه فلم يعد يقوى على الطيران، فتخلّى مكرهًا عن سربه، أو مصباحٍ كان متوهجًا يضيء غياهب الظلام فخبا نوره، وأصبح لا يضيء حتى حواليه، ولا يرى حتى نفسه، أو عنصرٍ كان يؤدي بحيوية ونشاط دوره فاستغني عنه، وانتهى دوره، ثم انتهى هو بدوره...) من كلمة الأستاذ محمد مساعف بمناسبة إحالته إلى التقاعد. [email protected]