(1) في الصيف تموت الأشجار في قريتي إلا السدور، فهي وحدها من تكابد الانتظار تحت شمس الظهيرة. السدور بيت من لا بيت له، مأوى الأحياء وظلهم، وغسول الموتى وطيبهم. في السابق كانوا لا ينزعون سدرة إلا إذا سدت طريقًا أو حرقتها صاعقة، وعند ذلك يقطعونها بحزن، يقيمون عزاءً يليق بالسدور، ثم يجعلونها قريبة منهم، عماد للبيت أو مأوى للنحل.. (2) الجيل الذي قصد المدن مؤخرًا لم يعد يقدر الشجرة العظيمة، فكلما جاءت فرصة لقلع سدرة أو بترها شرعوا في ذلك مباشرة، فهم لا يرون لها قيمة إلا إذا اجتثت من فوق الأرض! أبي كان الوحيد الذي ينافح عن سدور القرية، لهذا كان الامتحان الأصعب في حياة أبي تلك السدرة التي نمت في عرض جدار مزرعته! هل يجعل أرضه تتداعى؟ أم يقطع السدرة؟ ثم قرر أن يجعل الوضع كما هو عليه! عمي الذي يصغر أبي تضايق من هذا الوضع، لأن السدرة بدأت تكبر في عرض الجدار وتتجه بشكل مائل نحو السماء، وكلما نمت تساقطت أحجار الجدار وتكدست تحته. (3) مر الوقت وانشغل أبي بمرض أمي، وأوصى عمي أن يذهب للقرية حتى يتعاهد الأرض والشجر. أبي لم ير في حياته مخلوقًا يشبه السدرة كأمي! وأمي أصاب جذعها الداء، فسقوها سائلًا فتساقطت أوراقها، رغم هذا استمر النبق يتساقط من فمها وهي تتحدث عن ذكرياتها. (4) في عصر يوم من الأيام، قُرع باب بيتنا، فنهض أبي يجر حزنه. كان عمي في الخارج، قدم لتوه من القرية، اقترب أبي منه، ألقى نظرة في حوض السيارة، فوجدها مضطجعة بهدوء رغم آثار الفأس! عندها بكى أبي كما لم يبكِ من قبل..