شهدت الأوساط الاقتصادية جدلاً حول ارتفاع حجم التحويلات المالية خارج القنوات المصرفية غير النظامية نتيجة سيطرة عدد من العمالة الوافدة الذين اتخذوا من تحويل أموال المقيمين إلى الخارج مهنة يتعايشون من ورائها مقابل نسبة رسوم تقدر بنحو 10% من قيمة المبالغ المطلوب تحويلها. وأكد خبراء اقتصاديون أن أجمالي التحويلات النظامية التي تجريها العمالة الوافدة المقيمة في المملكة للخارج بلغت نحو 60 مليار ريال عام 2011م مشيرين الى أن حجم هذا المبالغ اكبر بكثير، إذا ما أضيفت لها التحويلات غير النظامية الأمر الذي يسبب خللا بميزان المدفوعات وأرقام الناتج القومي. وطالب الاقتصاديون في تصريح ل»المدينة» بإحداث تغيير في آلية مراقبة تحويل أموال الوافدين خاصة التحويلات غير النظامية وان اقتضى الأمر بتقنين اتصالات الأماكن المشبوهة ومراقبة مكالماتها الهاتفية لان اغلب هذه التحويلات تقوم على المكالمات الهاتفية وتندرج تحت مسمى «اقتصاد الظل» مشيرين إلى أن هذه الرقابة تهدف للتحقق من نظامية تحويل مبالغ مالية طائلة يحولها المقيميون خارج البلاد يعتقد أنها تزيد عن الرواتب الشهرية، وربما تكون متحصلة من أنشطة مشبوهة وغسيل أموال، ورغم ما يحيط بالموضوع من سرية وكتمان استطاعت «المدينة» الدخول إلى منزل بكيل «عربي مخالف» يسكن في حي البوادي الشعبي بجدة مع 4 من أبناء جلدته حيث أكد وجود هذه الظاهرة وأنها في تنام بسبب وجود عمالة غير نظامية ومتخلفة والتي يأتي اغلبها بطرق التهريب بغرض البحث عن مصدر رزق. وبين أن هناك شيخا للحوالات غير النظامية في البوادي يتعامل معه وافدون من جنسية عربية والراغبون في تحويل أموالهم مقابل رسوم ليست كثيرة لا تزيد على 10%، مشيرا إلى أن عملية التحويل لا تحتاج إلى مراجعة أو الحصول على أوراق رسمية، مؤكدًا أن اغلب الراغبين في التحويل يعطون نقودهم للمسؤول وهو يقوم بتشغيلها اولا في المملكة بمساعدة شريك وهو رجل مقتدر ماديا. *تحويل هاتفي وعن سر عدم تخوف العمالة الوافدة من سرقة أموالهم وضياعها أكد بكيل أن هذا الرجل يعمل في هذا العمل منذ 7 سنوات وان لدية 9 هواتف جوال ويملك سيارة ولديه عدد من المحلات التجارية ويدير مجموعة من العمالة ويعتبر هذا النشاط مصدر رأس ماله. ويؤكد عبدالعزيز الأمين «من جنسية عربية» أنه يعرف أن هذه الظاهرة منذ 10 سنوات، مشيرا الى أن القبض على اى مسؤول عن تلك الشبكات التي تحول الأموال يعطي الفرصة لا حد معاونيه، كشيخ جديد يقوم بالعمليات ويستفيد من الرسوم التي تدفع له من تلك العمالة غير النظامية، وعن سبب انتشار تلك الظاهرة يقول الأمين إن عدم نظامية الكثير من العمالة يساهم في انتشار الظاهرة. *شبكات التحويل أما عبدالقدير «هندي» فيؤكد أنه يعرف الكثير من ابناء جلدته تعمل في تلك الشبكات واغلبهم يعملون في القطاع الخاص، مشيرا الى أن من يعملون في تلك الشبكات يبتكرون طرقا جديدة دائما مقابل رسوم قليلة لا تتجاوز 10% من المبلغ المراد تحويله وأنهم على ثقة في شيخ الحوالات بسبب سمعته الجيدة وخبرته في هذا المجال. من جانبه اوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالله المغلوث أن هناك تعاونا بين العمالة الوافدة غير النظامية مع من يديرون تلك الشبكات بغرض تحويل الأموال إلى بلادهم بطرق غير مشروعة، مشيرًا إلى ان تلك الحوالات تندرج تحت مسمى «الجرائم السوداء» وطالب المغلوث بزيادة الرقابة على المستثمر الأجنبي والتشديد على دور مؤسسة النقد في تتبع العمليات المصرفية وزيادة رقابة الجهات المسؤولة على الهواتف النقالة لضبط المكالمات الهاتفية الصادرة من الأماكن التي يحتمل ان تتم بها العمليات المالية المشبوهة، مشددًا على ضرورة تعاون رجال الأعمال مع الجهات الحكومية لمحاربة تلك الظاهرة. ويقول المصرفي محمد بارجا مدير مصرف شركة خالد كلكتاوي إن هذه الظاهرة موجودة ولا تتم من خلال المصارف أو البنوك أو القنوات الرسمية رغم أن هناك جهات أمنية قبضت على بعض من افرد تلك الشبكات مشيرًا إلى ضرورة تتبع المكالمات الهاتفية لبعض العمالة الوافدة التى يشتبه انها تعمل في هذا المجال لضبط التجاوزات المالية التي قد تحصل من بعض تلك العمالة. وبين بارجا إن القضاء على هذه الحوالات يتم من خلال تعاون المواطن مع الجهات المسؤولة رغم أن اغلب تلك الحوالات تتم من خلال الهاتف. ويؤكد المصرفي بكر بادود مدير مصرفي في مؤسسة وطنية أن نظام مؤسسة النقد الجديد قوي ولكن هناك سوقا سوداء للعمالة وهناك شبكات للحوالات غير النظامية تتوسع في مجالاتها وأفكارها ولديها القدرة لابتكار طرق جديدة للتوسع في مجالات جديدة. وبين بكر ان السيطرة على المحلات التجارية قوية من خلال وزارة التجارة رغم وجود ظاهرة التستر التجاري، مبينًا أن تحويل الأموال للعمالة المتخلفة يتم من خلال تلك الشبكات التي تحول الأموال من خلال تمرير المكالمات والجرائم السوداء. ويرى أستاذ الاقتصاد بجامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة أن اغلب تلك الحوالات غير النظامية لا تستفيد منها مؤسسة النقد مشددًا على ضرورة رقابة المكالمات الهاتفية لضبط اى تجاوز غير قانوني لان تلك الجرائم تندرج تحت مظلة «الاقتصاد الخفي» الذي يدفع ضريبته الاقتصاد الوطني. وعن حجم الظاهرة وانتشارها يؤكد باعجاجة أن وجود الظاهرة مرتبط بوجد العمالة غير النظامية ووجود المخالفات غير القانونية مثل التستر التجاري وغسيل الأموال. من جهته قال أمين لجنة الإعلام والتوعية المصرفية في البنوك السعودية طلعت زكي حافظ إن الحوالات التي تتم بطرق مشروعة مثل البنوك هي حوالات ليس عليها اى شكوك مؤكدًا أن البنوك لديها أقسام الالتزام من بين مهامها الكشف عن العمليات المشبوهة بالتعاون مع الجهات الأمنية ومؤسسة النقد، وأكد حافظ أن الحوالات التي تتم خارج النظام المصرفي تكون من عمليات غير مشروعة مثل التستر التجاري أو العمالة غير النظامية أو غسيل الأموال. وبين حافظ أن الدولة اتخذت المزيد من الإجراءات الاحترازية حيث إن مصلحة الجمارك أفصحت أن المبالغ التي يمكن الدخول والخروج بها لا تزيد على 60 ألف ريال خاصة أن وزارة التجارة شددت الرقابة على المحال لمحاربة الغش التجاري ولتقليص الحوالات ووزارة العمل لها جهود كبيرة لمحاربة العمالة غير النظامية من نطاقات الأجور لتحقيق ضبط للتحويلات وللتأكد من أخذ العمالة حقوقهم. وأكد حافظ أن الحوالات النظامية 2011م كانت 60 مليار ريال بسبب زيادة عدد الوافدين ورفع سقف الأجور. مبينًا انه يصعب تحديد رقم تلك الحوالات التي تديرها شبكات غير نظامية مشيرًا إلى أن أهم الأضرار التي تلحق بالاقتصاد الوطني هي الإخلال بميزان المدفوعات والاخلال بأرقام الناتج القومي، معتبرًا أن هذه التحويلات نوع من النشاط غير النظامي.