سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قضية فلسطين في مهب الريح ؟! الجيوش والأسلحة التي قامت على أساس (الصمود والتصدي) لا ولن تستعمل إلا بإبادة أي شعب يفكر في الحرية أو في الانتفاض على حكامه
لا تقل الغارات الإسرائيلية في الأسبوع الماضي على غزة ضراوة عن الغارات التي شنتها دويلة البغي والعدوان على الفلسطينيين قبل سنوات مضت، ومع ذلك لم تلق الصدى المتوقع أو يتأثر لها العرب قبل أن يتأثر العالم بشكل عام حتى ولو بالشجب والتنديد، يبدو أن المواطن العربي ما عاد يلقي بالاً هذه الأيام لأي شيء يتعلق بقضية فلسطين أو قضية المسلمين والعرب الأولى كما تسمى، في خضم هذه الأحداث الهائلة التي يشهدها العالم العربي خاصة والعالم كله عامة، رغم كل ما بث وأذيع عن غارات إسرائيل الأخيرة على غزة وعن القتلى بالعشرات، أو ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، أو بناء مئات المستوطنات الجديدة في الأرض العربية، فإن ذلك كله لا يجعل المواطن العربي يحرك ساكناً، فهو منشغل بما يحدث في سورية كل يوم من قتل للمئات وهدم للمنازل بالمئات أيضاً وتشريد للأسر، وترويع للآمنين، بما لم تفعله إسرائيل ولا يمكن أن تفعله في يوم من الأيام بالشعب الفلسطيني، بينما فعله الحكم النصيري الآثم بالمسلمين السنة ومازال يفعله فكيف يتأتى للمواطن العربي أن يهتم كما يجب عليه أن يهتم بما يحدث في فلسطين؟. كما أن المواطن العربي قد أصيب بالإحباط المزمن من أنظمة الحكم العربية التي كانت تسمي نفسها بجبهة الصمود والتصدي وتهدد بإلقاء إسرائيل في البحر بالاعتماد على جيوشها وأسلحتها التي اشترتها بدم الشعب ودموعه. ذلك أن المواطن العربي أدرك وأيقن بأن هذه الأسلحة وهذه الجيوش لم تُعدّ إلا لضمان بقاء أنظمة الحكم، وأنها ليست في الواقع إلا حرسا للحكم وأزلامه. وهذه الجيوش والأسلحة التي قامت على أساس (الصمود والتصدي) لا تستعمل ولن تستعمل إلا بإبادة أي شعب يفكر في الحرية أو في الانتفاض على حكامه كما حدث في سوريا ولا يمكن مجرد التفكير في إطلاق رصاصة واحدة على إسرائيل لتعطيل الجيش عن مهمته الأصلية وهي حماية نظام الحكم والحفاظ على رموزه حتى لو كان ذلك مقابل إبادة الشعب بأكمله، والمثل السوري خير مثل مرة أخرى، أما الدول الكبرى التي كان يؤمل بعض العرب فيها ويعول عليها شرقا وغرباً، فقد أظهرت كل الأحداث الحاضرة أنها جميعاً تتفق على مبدأ واحد هو الحفاظ على أمن إسرائيل بأي ثمن وأي تكلفة. فأمريكا تقف موقف المتفرج من كل ما يجري في سورية وتستعمل مع نظام الأسد لغة لينة لم تستعملها مع إسرائيل نفسها، فقد عهدنا عبارات غليظة -ولو كانت مجرد عبارات- استعملتها أمريكا مع إسرائيل في حربها المتتالية على غزة، ولم نسمع شيئاً منها وُجّه للأسد وزبانيته في الحرب على شعبه. والسبب مفهوم، إذ تريد أمريكا أن يُجهز نظام الأسد على من استطاع من أهل السنة وأن يدمر ما استطاع من كل ما هو قائم في سورية، فإن سقط، تكون الدولة منها منهكة لا تقوم لها قائمة ولا بعد عشرات السنين ولن نفكر مجرد تفكير في حرب إسرائيل. أما القطب الآخر وهو روسية التي كان يظن كثير من العرب أنها تناصر قضيتهم وتتصدى لأمريكا في موقفها من الفلسطينيين، فقد ظهر أنها تقف مع أمريكا في خندق واحد، وتتقاطع مصالحهما في ضرورة ترك سورية أرضاً محروقة ليتسنى لكل منهما فرض هيمنتها عليها بطرائق متباينة، وتحاول روسية بالطبع الإبقاء على نظام الأسد لأطول مدة ممكنة، لتحافظ على موطئ قدمها في المياه الدافئة وعلى قواعدها البحرية في طرطوس وغيرها، وهذا جل ما يهمها دون قضية فلسطين أو أي قضية للعرب. أما إن عَوَّل المواطن العربي على الفلسطينيين أنفسهم في تحرير أرض فلسطين بالحرب أو بالسلم أو بأي طريقة أخرى، فإن ذلك ولاشك أضغاث أحلام. فالفلسطينيون منشغلون من قمة رؤوسهم إلى أخمص أقدامهم في الخلافات، وفتح في واد وحماس في واد غيره، ولكل منهم وجهته وأحلافه بين الغرب وإيران والضائقة الاقتصادية تخنقهم جميعاً وتضطرهم إلى بيع ما يمكن بيعه من التحالفات والتنازلات الخ، وكان آخر تلك التنازلات تنازل الرئيس الفلسطيني عن حق العودة. كما صرح بنفسه في مقابلة متلفزة مؤخراً والمقاومة أصبحت في مهب الريح كما أن القضية أصبحت اليوم في مهب الريح، وأمام ذلك كله هل نقنط نحن العرب والمسلمين؟ أم علينا أن لا نقنط من رحمة الله، إذ ليس لها من دون الله كاشفة. فهذه التغييرات التي تحصل في بعض الدول العربية قد تفرز رجلاً رشيداً أو أكثر، تتغير حسابات إسرائيل وحلفائها دفعة واحدة، ونحن نؤمن بأن الساعة لن تقوم حتى يقاتل المسلمون اليهود ثم يكون النصر للمسلمين بإذن الله كما بشر نبينا صلى الله عليه وسلم، ولكن هل نحيا لنرى ذلك اليوم أم سيراه أبناؤنا وأحفادنا؟! ذلك ما لا نعلمه، وما النصر إلا من عند الله. [email protected]