روى المؤرخ الأديب محمد الإتليديّ المتوفى سنة 1100ه في كتابه (إعلام الناس بما وقع للبرامكة من بني العباس) قصة طريفة عن الأصمعي، لم أقف عليها في التراث القديم، ولطرافتها سأتنازل عن مساحتي الصغيرة اليوم وأتركها له.. قال الأصمعي: دعاني بعضُ العربِ الكرام إلى قِرَى الطعام، فخرجتُ معه إلى البرّيّة، فأتوا بباطيةٍ بأُذُنين وعليها السمنُ غارق، فجلسنا للأكل، وإذا برجل ينسِفُ الأرضَ نسفاً حتى جلسَ من غيرِ نداء، فجعلَ يأكلُ -والسمنُ يسيلُ على ذراعِه- فقلتُ في نفسي: لأُضْحِكَنَّ الحاضرين عليه، فقلتُ: كأنَّكَ أَثْلَةٌ في أرضِ هَشِّ أتاه وابلٌ من بعدِ رشِّ فالتفتَ إليَّ بعينِ حادّةٍ، وقال لي: يا هذا؛ الكَلِمُ أُنثى والجوابُ ذَكَر، فرَدَّ عليَّ ببيتٍ من الشعرِ على الوزنِ والقافيةِ للبيتِ الذي قلتُهُ له، ولكنَّه أشدُّ سخريةً، فأضحكَ الحاضرينَ عليَّ. فقلتُ له: هل تعرفُ شيئاً من الشعر أو ترويه؟ فقال: كيفَ لا أعرف الشعرَ، وأنا أُمُّه وأبوه؟ فقلتُ له: إنَّ عندي قافيةً تحتاجُ إلى غطاء؟ فقالَ: هاتِ ما عندك. فغطستُ في بحورِ الأشعار، فما وجدتُ قافيةً أصعبُ من الواوِ المجزومةِ، فقلتُ له: قومٌ بنجدٍ قد عَهِدْنَاهُمُ سقاهُمُ اللهُ من النَوْ قلتُ: أتدري (النوَّ) ماذا، فقالَ: نَوٌّ تلالا في دُجَى ليلةٍ حالكةٍ مظلمةٍ لَوْ فقلتُ له: (لَوْ) ماذا؟ فقالَ: لو سارَ فيها فارسٌ لانثنَى على بساطِ الأرضِ مُنْطَوْ فقلتُ له: (مُنْطَوْ) ماذا؟ فقال: مُنطويَ الكشحِ هضيمُ الحشا كالبازِ ينقضُّ من الجَوْ فقلتُ له: (الجوُّ) ماذا، فقال: فاعْلُوا لما قد عيلَ من صبِرِهِ فصارَ نَجْوَى القومِ يَنْعَوْ فقلتُ:(يَنْعَوْ) ماذا؟ فقال: يَنْعَو رجالاً للقنا شُرِّعَتْ كُفِيتُ ما لاقَوا وما يلقَوْا قال الأصمعي: فعلمتُ أنه لا شيءَ بعدَ الفناء ، ولكن أردتُ أن أُثقلَ عليه ، فقلتُ له: ويلقَوْا ماذا ؟ فقال: إن كنتَ ما تفهمُ ما قلتُهُ فأنتَ عندِي رجلٌ بَوْ فقلتُ له: (البَوْ) ماذا؟ فقال: البَوُّ سَلْخٌ قد حُشِيْ جلدُهُ يا أَلْفَ قَرْنانٍ، تقومُ أوْ فقلتُ له: (أو) ماذا ؟ فقال: أو أُضربُ الرأسَ بصُوَّانةٍ تقولُ في ضَربتِهَا : قَوْ قال الأصمعي: فخفتُ أن أقولَ له: (قَوْ) ماذا؟ فيضربني على رأسي ويكمل البيت. فقلتُ له: أنت ضيفي الليلة. فقال: لا يأبَى الكرامَ إلا لئيم. الجامعة الإسلامية- المدينةالمنورة تويتر: @sa2626sa [email protected]