كنت أتمشى في ظاهر المدينة فإذا أنا بأعرابي قد نصب خيمته في إحدى الأراضي وقد أسرج بغلته إلى إحدى اللوحات الإعلانية فقلت من أنت يا رعاك الله؟ فقال: أنا الأصمعي قلت: حياك الله يا أبا سعيد! فما تصنع هاهنا؟ فقال: أنصب خيمتي كما ترى في هذه الأرض العريضة قلت: وهل الأرض لك؟ قال: الأرض أرض الله قلت: صدقت يا أبا سعيد ولكن هذه الأرض مملوكة ولو رآك صاحبها لاستعدى عليك «البلدية»! فقال: وما هي البلدية؟ قلت: يصعب علي تعريفها ولكني أعلم أنها تأخذ رسوما على كل شيء. فتنهد الأصمعي وقال: ذكرتني بالرسوم والديار. قلت :يا أبا سعيد الرسوم ليست الأطلال ولكنها أموال تجبى كضرائب على الخدمات تؤخذ حتى على موقف بغلتك هذا! فاستغرب الأصمعي وقد حسبت له رسوم موقف بغلته! وهنا أقبل صاحب الأرض فأزبد وأرعد وصاح بنا: ماذا تفعلون في أرضي فقلت مازحا: نتصور معها! فاستشاط الرجل غضبا وقال: اخرجوا من أرضي وأمر بهدم الخيمة. فقال الأصمعي وقد عز عليه هدم خيمته: يا هذا الأرض قفر كما ترى ولم أجد لخيمتي موضعا سوى هاهنا. فقال الرجل: فاشتر الأرض إذا ثم انصب عليها خيمتك. فقال الأصمعي: قد أنصفتني يا هذا فبكم تبيعني هذه الأرض؟ فقال الرجل: قد عرض علي في هذه الأرض خمسة وعشرين مليون ريال! فجحظت عينا الأصمعي ونظر إليّ مستفهما وقال: وماهو المليون؟ فتنحيت به جانبا وأخذت أشرح له فما فهم شيئا فقلت له مبسطا: يا أبا سعيد لو كان معك مع بغلتك هذه ألف ألف بغلة ثم بعت كل بغلة بخمسة وعشرين ريالا جمعت هذا المبلغ فقال الأصمعي: وما هو الريال؟ قلت: هذا يصعب تعريفه ولكنك لا تستطيع شراء هذه الأرض ولو عملت لخمسين سنة قادمة! فنظر الأصمعي إلى بغلته وقد طال وقوفها بالموقف فتذكر رسوم الموقف فصاح بي: وهل يدفع هذا الرجل رسوما على هذه الأرض؟ قلت: لا فقال: ولماذا لا تؤخذ منه الرسوم؟ قلت: هناك من يقول إنه لا يجوز أخذ رسوم على أصحاب الأراضي. فقال: فكيف تؤخذ رسوم على بغلتي؟ قلت: هذا أمر مختلف. فالتفت الأصمعي للرجل وقال: يا هذا منذ متى تملك هذه الأرض؟ فقال الرجل: منذ عشرين سنة. فقال الأصمعي: وبكم اشتريتها؟ قال الرجل: لم أشترها! فقال الأصمعي: فكيف ملكتها؟ فقال الرجل غاضبا: وما دخلك أنت؟ فقال الأصمعي: ولماذا لم تبعها إلى الآن؟ فقال الرجل: أنتظر السعر المناسب. فابتسم الأصمعي ابتسامة خبث فعرفت أنه قد حبل للرجل ثم قال له: فهل تدفع زكاة هذه الأرض؟ وهنا استشاط الرجل غضبا وهم بضرب الأصمعي فأمسكت به وقلت: احلم يا رعاك الله! فأمر الرجل بخيمة الأصمعي فقلعت ورميت على قارعة الطريق فالتفت الأصمعي إليها وذرفت عيناه فذهبت إليه ومسحت دموعه وقلت اركب معي ودعك منه قال: وبغلتي؟ فذهبت ودفعت رسوم الموقف ثم ربطت البغلة بمؤخرة السيارة وركبنا فنظر الأصمعي إلى خيمته على قارعة الطريق وقال متهكما: وكم رسوم قارعة الطريق؟ قلت لأنسيه الموضوع: هناك مقهى على قارعة الطريق سأسقيك منه قهوة تنسيك عناء ما جرى. فنظر إلى الأصمعي شزرا وعرفت الغضب في وجهه فقلت: على رسلك يا أبا سعيد إن قهوتنا مصنوعة من البن وليست كقهوة أبي نواس! فسري عنه.