البركة هو: النماء والزيادة من الخير. والتبرك طلب البركة. وهي ثابتة في النصوص لطائفة من الأعيان كالقرآن والأنبياء وزمزم، ولبعض الزمان والمكان. ومنه المشروع، وهو ما كان بشروطه: بدليله، وفي موضعه المشروع، وبالقدر الذي شرع. فالممنوع منه ما فقد أحد هذه الشروط أو كلها. ثم إن التبرك بالنبي صلى الله عليه وسلم منه ما هو معنوي؛ ذلك باتباع شريعته، والانتفاع بدعائه في حياته لا بعد موته. وتبرك حسي؛ ببدنه وبما اتصل به وما انفصل عنه. وقد ثبتت بركته هذه بأدلة يقينية قطعية اتفق عليها المسلمون؛ فقد رأى الصحابة ذلك، حيث إنه كان يضع يده على ساق المكسور فتلتئم.. فعل ذلك بعبدالله بن عتيك لما كسر بعد قتله أبا رافع. وينفث في عين الرمد فيبرأ.. كما في علي بن أبي طالب حين أراده للراية يوم خيبر. ومسح على صدر أبي هريرة فشفي من النسيان. والماء يفور بين يديه.. حدث في الحديبية ورواه البراء بن عازب؛ أرووا أنفسهم وركابهم وكانوا أربع عشرة مائة، ولم يكن في بئر الحديبية قطرة ماء، حتى أتى عليه الصلاة والسلام فدعا. والطعام يتكاثر كما في حديث أبي طلحة لما دعا أهل المسجد كلهم على أقراص من شعير، وحديث جابر لما طعم جميع الناس في الخندق وهم ألف من بهمة داجن وشبعوا، كل ذلك بإذن الله. ثم إن الصحابة لم يهملوا الانتفاع بهذه البركة الظاهرة، فاقتتلوا على وضوئه، وأخذوا من ريقه، وعرقه، واحتفظوا بشعره، ومسحوا أبدانهم بيده، واقتنوا ثيابه وآنيته، كل ذلك بمرأى منه وإقرار، وربما بادرهم ببركته، حيث أعطى نصف شعره أبا طلحة، وفرق الباقي على البقية، وذلك عند الجمرات في حجته. فبانت بركته وثبتت بالمشاهدة والتجربة، وجاز التبرك به بإقراره على أفعالهم وإعانتهم على مرادهم. ومن المعقول مباركته؛ حيث إن الله تعالى لم يكن ليصطفي لرسالته إلا الكمّل في: قلوبهم، وعقولهم، وألسنتهم، كذلك في أبدانهم. فهم يهدون بما في قلوبهم من إيمان، ينير عقولهم فيعطيها الحكمة، ويبسط ألسنتهم بفصيح الكلام وراجحه، فالمؤمنون ينتفعون بهذه الثلاثة فيهم، كذلك أبدانهم -والتي احتوت العقل والقلب واللسان- فيها إيمان ونور ينتقل أثره إلى ما يتصل بها من أشياء، بشرط قبولها لذلك النور؛ فليس كل محل فهو قابل، لما خلق الله تعالى الضدين الخير والشر، والطيب والخبيث. فعلة كونه مباركًا: طهارة روحه، وبدنه، وقلبه، وعقله، ولسانه، المبنى على اصطفائه. وعلة التبرك به: تحصيل منفعة صالحة دنيوية أو أخروية. وموضوعه: بدنه وما انفصل عنه أو اتصل به، وشريعته، ودعائه. وإذ انشغل أكثر الناس ببركته الحسية، حتى اقترن مصطلح "البركة" بها: فتسوية الكفة بالرجوع إلى النصاب فريضة؛ فإن بركته المعنوية (= دعوته وشريعته) هي المقصود والفريضة المقدمة، فما أرسل إلا لها، وغير ضار بالمسلم ألا يعتني ببركته الحسية، ويضره أن يهمل بركته المعنوية، وما ضر الكافرين شيء كالذي لحقهم من إعراضهم عنها؛ لقد استحقوا بها جهنم، فالمعرض عن هذه البركة بين: كافر، أو فاسق، أو مفرط في حظه بحسب إعراضه، أما من لم يحصل له شيء من الحسية، فلم يلحقه ذم. khojah10@