حمل الاتفاق الذي أمكن لقوى المعارضة السورية التوصل إليه في العاصمة القطرية الدوحة بعد مفاوضات ماراثونية مساء الأحد الماضي تحت مسمى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» شحنة عالية من التفاؤل على طريق وضع نهاية سريعة لمعاناة الشعب السوري ووقف نزيف الدم المفتوح منذ فبراير 2011، لا سيما بعد إعلان دول مجلس التعاون الخليجي ومجلس جامعة الدول العربية الاعتراف به بوصفه الممثل الشرعي للشعب السوري الشقيق، إضافة إلى ترحيب العديد من دول العالم -وعلى رأسها الولاياتالمتحدةالأمريكيةوفرنسا- بهذه الخطوة، عبر إعلان واشنطن عن نيتها دعم المعارضة السورية الموحدة لدعم الائتلاف الوطني، وهو ما تمثل في قول مساعد المتحدث باسم الخارجية مارك تونر في بيان: «نحن على عجلة من أمرنا لدعم الائتلاف الوطني الذي فتح الطريق أمام نهاية نظام الأسد الدموي وإلى مستقبل السلام والعدالة والديمقراطية الذي يستحقه الشعب السوري بأسره»، وما تمثل أيضًا في إعلان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس أن بلاده تقدم دعمًا كاملًا لهذا الائتلاف، واصفًا إياه بأنه خطوة مهمة في عملية توحيد المعارضة السورية التي لا بد منها، وقطعه الوعد بأن تقدم فرنسا دعمًا كاملًا لهذه العملية. بيد أن الدفعة الأكبر التي تلقاها الائتلاف الوليد جاءت بعد مباركة مجلس الوزراء السعودي في اجتماعه أمس الأول برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز للائتلاف الجديد الأكثر تمثيلًا وواقعية لقوى المعارضة السياسية والعسكرية داخل سوريا وخارجها. سقوط أمل الأسد الأخير يمكن القول إن نجاح المعارضة السورية في مسعاها الجاد لتوحيد قواها عبر كيان موحد جديد يضم قوى معارضة جديدة وقابل في نفس الوقت لانضمام قوى المعارضة الأخرى مستقبلًا، وجه لطمة قاسية على وجه نظام الأسد الذي كان يراهن على فشل المعارضة في تحقيق هذا الهدف. ولعل أهم نتائج اجتماعات الدوحة، إضافة إلى توحيد أطياف المعارضة وتوسيع قاعدتها، أنها أوصدت أبواب الحوار نهائيًا مع نظام الأسد للتوصل إلى حل، بما في ذلك الحوار حول تغيير رأس النظام. كما أن توصل قوى المعارضة إلى صيغة واقعية ومتوازنة لتركيبته القيادية من خلال ترؤس المسيحي جورج صبرة للمجلس الوطني السوري الجديد وترؤس أحمد معاذ الخطيب المحسوب على التيار الإسلامي للائتلاف كلها مؤشرات واضحة ومباشرة على أن الأزمة السورية دخلت طور الحسم، وأنه لم يعد هنالك مخرج للنظام للخروج من أزمة فقدان الثقة مع شعبه عندما تبنى الحل الأمني كحل نهائي في التعامل مع شعبه. مؤشرات هامة جاءت ردود أفعال نجاح المعارضة السورية في التوصل إلى اتفاق شامل يتضمن توافق جميع قواها على أجندة وطنية واضحة المعالم والأهداف على بشار الأسد سريعة ومربكة، وهو ما تمثل في تخبطه في قراراته وتحركاته، الأمر الذي تمثل بشكل واضح في قصفه المكثف على الحدود التركية، إلى جانب تبادل إطلاق النار مع القوات الإسرائيلية في الجولان لأول مرة منذ حرب أكتوبر 73. وماذا بعد؟ يبدو من الواضح أن الكرة الآن في ملعب المعارضة السورية التي عليها أن تثبت أهليتها للاضطلاع بمسؤولياتها الجديدة والحفاظ على وحدتها حتى تتمكن من الانتقال إلى الخطوة التالية التي يتطلع إليها الشعب السوري بعين الأمل والتفاؤل من خلال نقل التوافق الذي تم نظريًا في الدوحة إلى خطوات مدروسة يمكن ترجمتها على أرض الواقع من خلال إيجاد قيادة عسكرية موحدة لقوى المعارضة العسكرية في الداخل وتحقيق التوافق والتعاون والتنسيق بين جميع قوى المعارضة في الداخل والخارج، ونقل معاناة هذا الشعب إلى العالم، وهي مهمة صعبة بطبيعة الحال، مع الأخذ في الاعتبار انه لا يمكن تحقيق الاعتراف الكامل والدعم والمؤازرة الكافية للائتلاف الوليد من قبل المجتمع الدولي بدون تحقيق هذا الهدف.