أوردت في مقالتين سابقتين بعض الإحصائيات التي تشير إلى تآكل الطبقة الوسطى في المملكة، وكيف أن ذلك سينجم عنه انعكاسات وتأثيرات سلبية مستقبلية على المدى القريب والبعيد، وضرورة انتهاج إستراتيجية مستقبلية للحيولة دون ذلك، بل والمساهمة في زيادة نسبتها لإيجاد الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمني في وطننا الحبيب. في ضوء خبرات بعض الدول التي عانت من المشكلة ذاتها، وكيف أنها تسعى لمواجهتها بمنهجية، والخروج من عنق الزجاجة، نجد ماليزيا والهند والصين والبرازيل كانوا من الدول الرائدة في التصدي لتآكل الطبقة الوسطى، فقد أصبح اليوم (2.5) مليار نسمة من الصينيين والهنود أكثر ثراءً بمعدلات تاريخية غير مسبوقة. فقد قامت الهند بالتركيز على التكنولوجيا، وحققت إنجازات مرموقة في تصميم وتطوير البرامج التقنية من خلال وادي "بنغالور" الشهير الذي يعادل وادي "السيلكون فالي" في غرب كاليفورنيا. كما أنها قامت بتطوير التعليم الجامعي حتى أصبح أبناء النخبة يفضلون الالتحاق بالجامعات الهندية عن غيرها، وأولت اهتمامًا بالغًا بالتعليم المجاني لكونه يمثل المسار الأوسع للحراك الطبقي بالمجتمع، كما قامت بإنشاء بنوك حكومية شعبية لمنح قروض خيرية لأصحاب المشروعات الصغيرة من الشباب، وقصر التعاقد في العديد من المشروعات على المؤسسات الصغيرة للمحافظة على التوازن الاقتصادي في المجتمع، كما انتهجت الحكومة الهندية آليات وبرامج معونات الرعاية والدعم للسلع الغذائية الأساسية، والتي ساهمت بشكل إيجابي في خفض نسبة الفقراء من (37%) عام 2005، إلى (29%) بحلول عام 2011م. هذا التطور ساهم في إيجاد فرص وظيفية لطبقة كبيرة من الهنود رفعت من مستوى الدخل لدى الأفراد. لقد أشار الكاتب "روبن ميريديث" في كتابه: "الفيل والتنين" أن الصين في خططها لزيادة الطبقة الوسطى في المجتمع أعادت تقسيم الأراضي الزراعية بطريقة تُفعِّل فيها دور الأسرة؛ ممّا زاد الإنتاج إلى أربعة أضعاف، الأمر الذي ساهم في مداخيل هذه الأسر، إضافة إلى فتح باب الاستثمار الأجنبي، والذي أدّى إلى تشغيل العمالة الصينية؛ والرفع من مستوى الإنتاجية لديهم. همسة: الطبقة الوسطى صمام أمان لأي مجتمع، فكلما ارتفعت نسبتها، شكلت مصدرًا للاستقرار، وفي حال اضمحلالها واتساع الهوة والتباطؤ في إيجاد الآليات للحفاظ عليها؛ فإن المجتمع يصبح فريسة للكثير من الأمراض التي قد تعصف به، وتعرض استقراره لعواقب لا تحمد عقباها.