معاناة المرأة لا تتوقف عند سن معينة بل هي منذ طفولتها وهي تواجه مصاعب مختلفة وعقبات شتى، تبدأ بوالديها ولا تنتهي بمجتمعها، فهل حقًا هناك تمييز بين الذكر والأنثى في سن الطفولة؟ وما هي أسباب هذه الظاهرة ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين؟ وهل لموروثاتنا الثقافية والاجتماعية دور في تأصيل هذه الظاهرة؟ وما أبرز ملامحها التي تظهر على الأسرة؟ (الرسالة) ناقشت هذه المشكلة الاجتماعية مع عدد من المختصين والمستشارين الاجتماعيين حول ظاهرة التمييز بين الأبناء والبنات، مظاهره وأسبابه، وعلاجه في سياق الاستطلاع التالي: في البدء بين المستشار الأسري عبدالرحمن القراش أن التمييز بين البنات والبنين من صميم الثقافة العربية فقال: "التمييز بين الأولاد والبنات في التربية والعطاء من ثقافة أمتنا العربية، فهو موجود ومتوارث منذ الجاهلية حيث تأصل في حياة كثير من الناس، وعندما يرزق أحدهم بالبنت يصاب بالهم بل ربما لا يذبح لها العقيقة لكون البنت في نظره ستكون أولًا وأخيرًا في بيت زوجها، وهو لن ينتفع بها، ويعزو القراش أسباب هذا الشعور إلى أفكار وثقافة يحملها البعض مثل كون الولد يحمل اسم العائلة، ويرفع من قيمتها بمجرد ولادته، كما أن احتياجات الولد وصرفياته المالية أقل من البنت التي لا تنتهي طلباتها، إضافةً إلى شعور بعض الناس بأن البنت همّ لا يزول إلا بزواجها أو موتها خوفًا من جلبها العار، وهي ناقصة عقل ودين. وذكر القراش جملة من مظاهر التفرقة في المجتمع بين الابن والبنت حيث تفتقد البنت إلى الحنان والعطف والمعاملة الحسنة من قبل والديها أكثر من الابن، لذلك تجد البنات المحرومات من هذه العاطفة فريسة سهلة للذئاب البشرية، وأشار القراش إلى شح بعض الأسر في تلبية احتياجات البنات والتقليل من الصرف المالي عليهن كونهن لا حاجة لهن في المال، وأضاف القراش أن من مظاهر التفرقة اكتفاء بعض الأسر بتدريس بناتهن إلى المرحلة الثانوية واعتقادهن بأنهن لسن في حاجة إلى إكمال الدراسة الجامعية، وفي المقابل يشير القراش إلى أن الأبناء يحظون بامتيازات خاصة سواءً مادية أو اجتماعية أو حتى ترفيهية ليس لشيء إلا لكونه ذكرًا، وذكّر المستشار الأسري الآباء بأن الله قد كرم المرأة في جميع مراحل حياتها؛ ففي صغر البنت إذا رباها والدها وأحسن إليها فله الجنة، وعند بلوغ البنت وتأهيلها للزواج تكمل النصف الآخر من دين الرجل، وإذا أصبحت أمًا جعل الجنة تحت قدميها. اختلاف التربية من جانبه أكد المدرب في التنمية البشرية محمد عزوز أن تربية البنات تختلف عن تربية الأبناء؛ وهذا ما يثبته الباحثون في علم النفس حيث يذكرون أن من أهم الفروق بينهما أن الفتاة تصل إلى مرحلة البلوغ قبل الشاب، ومن ناحية النضوج العقلي تصل الفتيات إلى مرحلة النضوج العقلي قبل الشباب، وبذلك تكون هي الأقرب من دور المسؤولية، والاعتماد عليها في كثير من الأمور المنزلية خاصة، أما من الناحية الاجتماعية فإن البنات قد يعانين في قضية الزواج أكثر من الشباب؛ إذ يمكن أن تمنع البنت من الزواج بسبب طمع والدها في راتبها، أو منعها من الزواج خارج إطار العائلة مما يشكل ظلمًا كبيرًا عليهن، ويؤكد عزوز ما ذكره القراش من انتشار فكرة عدم احتياج البنت إلى إكمال دراستها الجامعية بسبب أن مصيرها سيكون للزواج والعناية بأمور المنزل. وهذا لا شك إجحاف بحق الفتاة -من وجهة نظر عزوز- خاصة وأنها الآن تحتل مكانة كبيرة في المجتمع. أفكار جاهلية أما المستشارة الاجتماعية منى عبدالله البيومي فقد أوضحت أن معاناة البنات فقط لدى بعض العقليات التي توارثت أفكارًا من الجاهلية، وقالت البيومي: "أنا حقيقة لا أرى أي معاناة يعيشها البيت الذي رزقه الله بالبنات فقط، وإنما المعاناة هي في عقليات بعض الشخصيات التي توارثت بعض الأفكار منذ أيام الجاهلية، خاصة من سكان شبه الجزيرة العربية"، ونبهت البيومي إلى أن تربية البنات أسهل من تربية الأبناء؛ إذ أن الفتاة غالبًا ما تكون هادئة وحنونة ومطيعة، بخلاف الأبناء المعروف عنهم الشقاوة في الصغر، والتمرد في المراهقة والشباب، والانسياق القوي وراء شلة الأصحاب والخروج المستمر معهم، وكما تصف البيومي فإن هذه الحالة تجعل الأهل في قلق وخوف مستمر على الأبناء أكثر من البنات خاصة أن تلك الحالة تصرفهم عن دروسهم ومذاكرتهم، وأضافت البيومي أن الفتاة تميل لمساعدة أهلها والبقاء قريبًا منهم حتى بعد زواجها، بينما نلاحظ أن عددًا كبيرًا من الرجال يوجه جل اهتمامه لزوجته وأولاده، ولفتت البيومي إلى أنه في المجتمع السعودي -فقط لا غير- قد نجد احتياجًا للولد أكثر من البنت، وذلك يعود من وجهة نظرها إلى عدم إتاحة الفرصة للمرأة لممارسة شؤونها بنفسها خاصة بعض الأنظمة والقوانين التي تمنعها من ذلك والتي تشترط وجود الرجال أو أولياء الأمور. كما أشارت إلى عدم تمكنها من قيادة السيارة بنفسها لتلبية احتياجاتها المختلفة.