قبل ثلاثة أسابيع كتبت هنا أن مشروع الطائفية والإقليمية مشروع جديد لتفتيت الوحدات الوطنية، وأنه صورة محدثة لمشروع القوميات في بداية العصر الحديث الذي مزق وحدة المسلمين، وشتتهم في دول، وأن المطروح الآن هو تمزيق هذه الدول إلى دويلات لا تستطيع الدفاع عن نفسها فضلاً عن غيرها. توافد حجاج بيت الله الحرام قاصدين المشاعر المقدسة من كل دولة، ومن كل لغة، ومن كل لون، ومن كل قارة، ومن كل طائفة، ومن كل مذهب، تجمعهم وحدة واحدة هي الإسلام في ركنه الخامس، وفدوا محرمين، وتدفقوا ملبين، وسيتحركون من مشعر إلى آخر متوحدين، وذلك كله درس عملي لأن ينظروا إلى واقعهم في العالم، وليروا أن سبيل الوحدة ليس بصعب، وأن التجافي عن الفروق الفرعية (من طائفية أو إقليمية أو عرقية) هو سبيل لوحدة التعاون القوية الفاعلة التي تقف في وجه كل من يدق إزميل (مثقاب) الفرقة والتمزق، ليسلب خيرات البلدان ويمزق وحدتها، ويزعزع أمنها دون رعاية لحق أبنائها. الحرب العدوانية أو الاحتلالية لا تنحصر في أن توجه قوى خارجية جيوشها لاحتلال بلاد، بل تلك صورة إن تحققت فإنها لا تدوم، إذ لا تلبث الشعوب أن تنتفض ناراً تجبر المحتل أن يخرج يجر ذيل الهزيمة والخيبة، ولكن الحرب التي تجرح وتقتل وتوغل العداوة في النفوس، هي تلك الحروب الطائفية التي لا يُشك أنها لن تخدم حتى المنتصر من الطرفين، ولكنها بالتأكيد سيحصد نتاجها ذلك الذي أشعل ثقابها من الخارج، وأرسل من شربوا ماءه وتذوقوا لذيذ طعام مطاعمه ولثغوا ليل نهار بأفكاره، وهم أجسام وطنية تحمل عقولاً أجنبية، ولابد من الإشارة إلى التفريق بين تلاقح الثقافات والإفادة من بعضها ومن بذل جهده للترويج لثقافة وافدة، وكرس جهداً آخر لزرع الفرقة والطائفية بل قد يتقدم جيوش الغزاة لاحتلال بلاده، فشتان بين بانٍ وهادم. ها أنتم أيها المسلمون قد تبيّن لكم أن وحدتكم في كل شعيرة من شعائر الحج قد نبذت الطائفية، واستبان لكم كليلة البدر أن فيروس الطائفية ينخر في أغلب بلدانكم وأن من ركب مركب الطائفية سيكون أخسر من غيره، لأن ثمرة تمزيق الوحدة سيجنيها غيره، والوحدة لا تعني الاندماج الجغرافي بل هي وحدة الاقتصاد والأهداف والسياسات، وفي أوروبا الغربية خير دليل، وهم لا يملكون ما تملكون من عناصر الوحدة. من شعر الشاعر العراقي عبدالرحمن البناء في وصف داء المذهبية عام 1353ه (1933م) في بداية تمزيق الوطن العربي: يا حماة الدين الحنيفي، هبوا وادفعوا عن حماكم الأشرارا لا تملوا، لا تجزعوا، لا تولوا أجمعوا الأمر، وحدوا الأفكارا وحدوها (فالمذهبية) داءٌ جربته اليهود ثم النصارى ادفنوا سرّها ولا تدعوها يكشف (الأجنبي) عنها الشعارا إن للأجنبي فينا عيوناً بثها حيث تفضح الأسرارا فاتحاد المسلمين حِصن حصين يقف الخصمُ دونه محتارا [email protected]