واعلم أن لكل شدة مدة، وأن على قدر المؤونة تنزّل المعونة، وأن الله يستخرج البلاء بصادق الدعاء وخالص الرجاء . واعلم أن في الشدائد إذابة الكبر، واستدرار الذكر، وجلب الشكر، وتنبيه الفكر. فارحل بقلبك إذا الهم برك، واشرح صدرك عند ضيق المعترك، ولا تأسف على ما مضى ومن هلك، فليس بالهموم عليم درك، واعلم أنه لا يدوم شيء مع دوران الفلك، وعسى أن تكون الشدة أرفق بك، والمصيبة خير لك . فإذا ضاقت بك السبل، وانقطعت بك الحيل، فالجأ إلى الله عز وجل . واعلم أن الشدائد ليست مستديمة، ولا تبقى برحابك مقيمة، ولعل الله ينظر إليك نظرة رحيمة، والدنيا أحوال، وألوان وأشكال، ولن تدوم عليك الأهوال، فسوف تفتح الأقفال، وتوضع عنك الأغلال، واصبر وانتظر من الله الفرج، فكأنك بليل الشدة قد انبلج : لا تعجلن فربما عجل الفتى فيما يضره فالعيش أحلاه يعو د على حلاوته بمره ولربما كره الفتى أمراً عواقبه تسره واعلم أن الشدائد تفتح الأسماع والأبصار، وتشحذ الأفكار، وتجلب الاعتبار، وتعلم التحمل والاصطبار، وهي تذيب الخطايا، وتعظم بها العطايا، وهي للأجر مطايا. فاطلب من الله الرعاية، واسأله العناية، فلكل مصيبة غاية، ولكل بلية نهاية .كم من مرة خفنا، فدعونا ربنا وهتفنا، فأنقذنا وأسعفنا، كم مرة جعنا، ثم أطعمنا ربنا وأشبعنا، كم مرة زارنا الهم، وبرح بنا الغم، ثم عاد سرورنا وتم، كم مرة وقعنا في الشباك، وأوشكنا على الهلاك، ثم كان من الله الانطلاق والانفكاك، أنت تعامل مع لطيف بعباده، معروف بإمداده، جواد في إسعاده، غالب على مراده، فلُذ به وناده، إذا داهمتك الشدائد السود، وحلت بك القيود، وأظلم أمامك الوجود، فعليك بالسجود، وناد يا معبود، يا ذا الجود، أنت الرحيم الودود، لترى الفرج والنصر والسعود : لطائف الله وإن طال المدى كلمحة الطرف إذا الطرف سجى كم فرج بعد إياس قد أتى وكم سرور قد أتى بعد الأسى أيها الإنسان في آخر النفق مصباح، ولِباب الهموم مفتاح، وبعد الليل صباح، وكم هبت للقانط من الفرج رياح . أيها الظمآن وراء هذا الجبل ماء، أيها المريض في هذه القارورة دواء، أيها المسجون انظر إلى السماء، أيها المتشائم امسك حبل الرجاء . كن كالنملة في صعود وهبوط، وعلو وسقوط، ولا تعرف اليأس ولا القنوط، ولا تعترف بالإحباط في كل شوط . كن كالنحلة في طلب رزقها قائمة، وفي حسن ظنها دائمة، وعلى الزهور حائمة، وفوق الروض عائمة وليست مع اليأس نائمة . كن كالهدهد، مع كل صباح ينشد، ومع الربيع يتجدد، وعلى بلقيس تردد، وسليمان له تفقد، فأسلم لربه ووحد، وأنكر على من كفر وألحد، فنال المجد المخلد، والذكر المؤبد . أيها المشتكي وما بك داء كيف تغدو إذا غدوت عليلا أترى الشوك في الورود وتعمى أن ترى فوقه الندى إكليلا والذي نفسه بغير جمالٍ لا يرى في الوجود شيئاً جميلا على رؤوس الجبال شمس من الفرج شارقة، وعلى مشارف التلال هالة من النور بارقة، وعلى كل باب للحزن من السرور طارقة . افتح عينيك، ارفع يديك، لا تساعد الهم عليك، ولا تدعو اليأس إليك . السمك والقرش، والطيور والطرش، كلها ترجو رب العرش، فاتجه أنت إليه، واشك الحال عليه، فإن فرجه أسرع من البرق الخاطف، وله في كل لحظة لطائف . اللهم اصرف عنا المصائب، ورد عنا النوائب، وكُف عنا كَفّ المعائب . اللهم سهّل الحزون، وهوّن المنون، وأشبع البطون، وافتح للمضطهدين أبواب السجون، واجعل الخائفين من أمنك في حصون، اللهم احلل الحبال المعقدة، وسهل الأمور المشددة، واكشف السحب الملبّدة، وأجب سهام الليل المسددة . اللهم اجعل لليل همومنا صباح من الفرج يشرق، ولظمأ أكبادنا نهر من الأمل يتدفق، ولجراح مآسينا يد بالشفاء تترفق . اللهم أغننا عن الناس، وارزقنا مما في أيديهم اليأس، ورد عنا البأس، واجعل التقوى لنا أجمل لباس، وأقوى أساس . لك الحمد حتى يملأ طباق الغبراء، وأجواء السماء، ولك الثناء حتى تشدو به الأطيار، وتميل به الأزهار، ويحمله الليل والنهار . ولك المجد يا ذا الجود، ما قام الوجود، وسال الماء في العود، ونصب للحياة عمود هل يرجى سواك، هل يعبد إلا إيّاك، هنيئاً لمن دعاك، وطوبى لمن ناجاك . والصلاة والسلام على عبدك ومصطفاك، وحامل هداك . وختاماً : اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالبلج