سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المعارضة السورية والهزلُ في مقام الجدّ إذا لم ترتق المعارضة إلى مستوى اللحظة الراهنة فستكون فعلاً كمن يهزل في مقام الجدّ، وسيكون صعباً عليها أن تواجه حكم الشعب والتاريخ
ذكرنا سابقاً أن الثورة وأهلها لايملكان رفاهية الخيار بتأجيل ممارسة المراجعات إلى (مابعد) انتهاء الثورة. وأن من غير الممكن تجاوز دلالات التجارب بما فيها من صواب وخطأ. ذلك أن الأمر يتعلق بمصير شعبٍ يقدم مالايوصف من التضحيات. ومن حقّه على كل من يمارس فِعلاً ثورياً معيناً أن يرتقي بفعله إلى مقام تلك التضحيات، ويستفرغ الوسع في الوصول إلى الصواب. لسنا في مقام الدخول في مهاترات مع أي جهة، لكن المرحلة تتطلب درجةً عالية من الشفافية والصراحة. والاستحقاقات القادمة تتطلب الارتقاء إلى مستوى شعارات تمثيل الثورة التي ترفعها المعارضة. لامشاحة في الاعتراف بأن المعارضة السياسية السورية بجميع أطيافها ومكوناتها لم تكن مستعدةً لأداء مهمةٍ بحجم المهمة التي باتت، فجأةً، مسؤولةً عن أدائها. فكلنا يعلم طبيعة الظروف التي كانت تعمل فيها على مدى العقود الماضية. وثمة فارقٌ كبير بين القيام بدور (المعارض) على الطريقة التي كانت سائدةً في سوريا ماقبل الثورة، وبين دور القيادة السياسية لثورةٍ فرضت نفسها كواحدةٍ من أعظم ثورات التاريخ. ولانبالغ إذا قلنا أن الدور الذي نتحدث عنه من أصعب الأدوار التي يُطلب أداؤها على مستوى العمل العام. وكما قلنا في مقامٍ آخر: ثمة تراكمٌ نظري وعلمي يتعلق بالثورات يمكن الاستفادة من معطياته، وهذا مطلوبٌ وواجب، لكن الثورة ليست عمليةً هندسيةً محسوبةَ المقاييس. ولاهي مشروعٌ تجاريٌ أو اقتصادي يمكن تصميمه وتنفيذه وفق خطةٍ موضوعةٍ بإحكام.. والثورة لاتشبه أي ظاهرةٍ أخرى في حياة الناس. إذ لاتسري عليها العادات والأعراف والقوانين التي يتآلفون عليها في أيامهم العادية. وحين نتحدث عن الثورة السورية تحديداً فإننا نحاول ملامسة ظاهرةٍ جديدةٍ كلياً، خاصةً إذا أخذنا بالاعتبار كل مافيها من خصوصيات سياسية وثقافية واجتماعية وجغرافية.. من هنا، لايكون معيباً إذا تواضعت المعارضة السورية واعترفت بصعوبة المهمة الملقاة على عاتقها. فهذا الاعتراف علامةٌ صحيةٌ يمكن أن تكون أول خطوةٍ فعلية في تشكيل قدرتها على أداء دورها المطلوب. ولاحاجة للمكابرة والادّعاء في مقامٍ لايحتاج إلى مثل هذه الممارسات. وسيكون الشعب السوري أول من يتفهّم هذه الحقيقة، ويحترم القائلين بها، ويعود لإعطائهم المشروعية المطلوبة.. ثمة حاجةٌ ملحةٌ لأن يغادر جميع الساسة المعارضين السوريين اليوم إقطاعياتهم و(كانتوناتهم) التنظيمية والأيديولوجية. فالسياسة بالتعريف السائد هي فنّ الممكن. والممكنُ في الواقع السياسي السوري المعاصر يفرض عليهم جميعاً الخروج من نفق المماحكات القاتلة المتعلقة بتمثيل السوريين وثورتهم، والتي تكاد تغرقهم وتُغرق الثورة إلى الأبد. لاتوجد اليوم جهةٌ يمكن أن تدّعي احتكار التمثيل المذكور بأي درجةٍ من الدرجات. انتهى الأمر ياسادة، وباتت الحقيقة السابقة واضحةً لايماري فيها إلا مُكابر. والمماراة المذكورة لاتؤدي إلى شئ بقدرٍ ماتؤذي الثورة، وتوسّع دوائر الأسئلة والاستفسارات حول المعارضة نفسها.. لم يعد مهماً اليوم الحديث في النيّات والبحث ما إذا كانت عمليات المماطلة والتأجيل تحت عناوين الحوار تأتي عن حُسن نية أو سوء طويّة. يكفي أن هذا الانتظار، الذي يبدو أشبه بانتظار (غودو) لن يأتي أبداً، أصبح فِعلاً سلبياً مرفوضاً يُساهم في تأخير وصول الثورة إلى أهدافها. بل إنه صار أداةً من الأدوات التي يستخدمها النظام لاستمراره وبقائه جنباً إلى جنب مع حملته الوحشية ضد شعب سورية الأعزل.ليس من طبيعة الدنيا الكمال، ولم يقل أحدٌ أن مشروع التمثيل السياسي للثورة السورية سيكون مشروعاً كامل الأوصاف. لكن الموقف الطبيعي من مثل هذا الوضع يتمثل بالمساهمة الفعالة والعملية في استكمال المشروع، لكي يصبح قادراً على تحقيق مطلب الثوار في توحيد المعارضة وخدمة الثورة داخلياً وخارجياً.. لهذا، لم يعد مفهوماً أن تُصبح المفاوضات لتوحيد المعارضة هدفاً بحدّ ذاتها سواء قصد البعض ذلك أو لم يقصدوه، وإذا كانت المفاوضات وسيلةً كما يجب أن تكون فلا معنى للوقوف مرةً تلو أخرى عند جملةٍ هنا ومصطلحٍ هناك في خضمّها. فثوابت الثورة واضحة، والعمل بتناغم مع تلك الثوابت ينضبطُ كلما انخرط فيه ممثلون لقوى المعارضة الفعّالة والمؤثرة. الكل مسؤولون بلا استثناء. المجلس الوطني السوري ولجنة المتابعة والمنبر الديمقراطي والقوى الكردية وتكتلات العشائر السورية والشخصيات (الوطنية) وعشرات التيارات والتكتلات والأحزاب التي ظهرت كالفطر في ساحة الثورة في الأشهر القليلة الماضية. ثمة وعدٌ من مجموعة أصدقاء سوريا بالاعتراف الكامل بأي مشروعٍ جامعٍ للمعارضة السياسية السورية في اجتماعها المقبل مطلع الشهر القادم، وبالقيام بكل المقتضيات السياسية والدبلوماسية العملية التي تترتّبُ على ذلك الاعتراف. الأهم من هذا هو الحاجة الاستراتيجية العملية لمثل هذا المشروع في هذه المرحلة الحساسة من الثورة، لأنه سيكون بنتائجه المسمار الأخير في نعش النظام. لانتحدث هنا عن المجالس المحلية والجيش الحرّ في الداخل السوري، فالأمل في هؤلاء أن يكونوا أكثر جديةً وحسماً في التجاوب مع المشروع حين يظهر إلى النور. لكل هذا، لم يبق مجالٌ للوقوف أو النظر إلى الوراء أو البداية من نقطة الصفر. وإذا لم ترتق المعارضة إلى مستوى اللحظة الراهنة فستكون فعلاً كمن يهزل في مقام الجدّ، وسيكون صعباً عليها أن تواجه حكم الشعب والتاريخ. [email protected]