كادت اللحظات الأكثر رعبًا في التاريخ أن تكون أكثر ترويعًا مما كنا نظن وكانت كوبا ستصبح أول قوة نووية في أمريكا اللاتينية منذ 50 عامًا، لولا ما جرى في الاجتماع العاصف الذي تنشر في فورين بوليسي ما ورد في محضره لأول مرة بين فيدل كاسترو و أناستاس ميكويان نائب رئيس الوزراء السوفيتي في 22 نوفمبر 1962. من وثيقة جاءت من الأرشيف الشخصي للراحل سيرجو ميكويان نجل نائب رئيس الوزراء السوفيتي، وهي وثيقة تبرع بها لأرشيف الأمن القومي الأمريكي وستظهر لأول مرة باللغة الإنجليزية خلال هذا الشهر في كتاب جديد بعنوان (أزمة الصواريخ السوفيتية الكوبية). بعد فترة طويلة منذ أن اعتقد العالم أن أزمة الصواريخ الكوبية قد انتهت، مع سحب الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف الصواريخ النووية متوسطة المدى في يوم 28 أكتوبر عام 1962، ومع إعلان الرئيس جون كنيدي رفع الحصار المضروب حول كوبا بعد يومين من ذلك التاريخ، فإن الأزمة لا تزال تكشف عن جوانبها الخفية. إذ لم يكن معروفًا للأمريكيين أن السوفييت جلبوا نحو 100 من الأسلحة النووية التكتيكية لكوبا، بينها 80 سلاحًا كانت عبارة عن صواريخ نووية من طراز (FKRs)، و 12 رأس نووي للصواريخ ذات الاستخدام المزدوج (صواريخ لونا قصيرة المدى) وستة قنابل نووية لقاذفات (إيل 28) وحتى مع سحب الصواريخ الإستراتيجية وقتها، فإن التكتيكات كانت ستبقى، حيث كشفت الوثائق السوفيتية عن نية السوفيت لتدريب الكوبيين على استخدام تلك الأسلحة. وتكشف الوثيقة أن فيدل كاسترو استشاط غضبًا لأن خروتشوف لم يستشره أو حتى يبلغه عن أي صفقات مع الأمريكيين، وتقول الوثيقة أن فيدل كاسترو سمع عن سحب الصواريخ من المذياع. ورفض الزعيم الكوبي الموافقة على أي عمليات التفتيش في المواقع في كوبا، ورفع مطالب أخرى.للسوفيت. وكان للسوفيت أزمتهم الخاصة في كوبا: كان عليهم إرجاع ما طلب الأمريكيون إعادته للإتحاد السوفيتي من أسلحة هجومية، والحصول على تأكيدات وتعهد من الولاياتالمتحدة بعدم غزو كوبا والأهم من ذلك الحفاظ على كوبا كحليف. وفي رئاسة مجلس السوفيت الأعلى، اتفق الجميع على أن الرجل الوحيد الذي يمكنه أن يحقق مثل هذا القرار هو اناستاس ميكويان نائب رئيس الوزراء السوفيتي، وصل ميكويان إلى كوبا في 2 نوفمبر 1962، وخلال أكثر من 20 يومًا من المحادثات التي غالبًا ما تكون مريرة مع القادة الكوبيين وهي محادثات بلغت ذروة التوتر في تلك الجلسة، بدأ ميكويان بتقدير مدى الخطر الذي تشكله الأسلحة النووية التكتيكية إذا ما تركت في الجزيرة، لا سيما في أيدي هؤلاء القادة الكوبيين. ففي يوم يرفض كاسترو أن يقابل ميكويان،وفي يوم آخر يأمر كاسترو أطقم صواريخه المضادة للطائرات بإطلاق النار على طائرات المراقبة الأمريكية. القشة التي قصمت ظهرالبعير جاءت على ما يبدو في 20 نوفمبر، عندما أرسل كاسترو تعليمات إلى كارلوس ليوتشوغا ممثل كوبا في الأممالمتحدة، كي يصرح هناك بأنه «لدينا أسلحة نووية تكتيكية، وعلينا الاحتفاظ بها» وكان هذا في رؤية كوبا سيكون جزئيا كأداة ضغط في المفاوضات حول عمليات التفتيش، وأيضًا للتأكيد على حقيقة أن الأسلحة كانت بحوزة كوبا.. وأبرق ميكويان الذي أصبح قلقًا للغاية رئاسة مجلس السوفيت الأعلى إنه يعتزم الآن أن يبلغ الزعيم الكوبي بسحب جميع الأسلحة النووية التكتيكية من كوبا. كان على ميكويان أن يوصل هذا الخبر غير السار لمضيفيه، وكان عليه أن يفعل ذلك بطريقة تبقي كوبا مع ذلك حليفة للإتحاد السوفيتي. وهكذا خلال محادثات استمرت لأربع ساعات يوم 22 نوفمبر وجه السوفيت ضربة قاضية للثورة الكوبية، بعد قرار الاتحاد السوفيتي بإزالة جميع الأسلحة التي ستعاني كوبا من إزالتها كثيرًا. افتتح كاسترو المباحثات قائلا انه كان في مزاج سيئ بسبب أن كينيدي قال في كلمته: إنه تمت إزالة جميع الأسلحة النووية من كوبا، ولكن من المؤكد أن الأسلحة التكتيكية لا تزال في الجزيرة». وأكد ميكويان أن الحكومة السوفييتية لم تعط أي وعود بشأن إزالة الأسلحة النووية التكتيكية. الأمريكيون ليس لديهم أي معلومات عن وجودها في كوبا. لكن الحكومة السوفيتية نفسها قررت إعادة تلك الأسلحة من جانبها.، طبقا لما قاله ميكويان،وليس بسبب ضغط الولاياتالمتحدة، وبأقوال ميكويان تلك أصبح مزاج كاسترو أسوأ.. الآن ستخرج الأسلحة التكتيكية أيضًا. وبالفعل كان السوفييت نظرا للضغوط الأمريكية قد سحبوا مقاتلات ايل 28 (تقنيا هذه الطائرات المقاتلة قد تصل إلى ولاية فلوريدا ولذا وصفت بأنها طائرة هجومية ذات قدرات نووية). حاول ميكويان إقناع كاسترو قائلاُ إنه يقدر ما يشعر به الزعيم الكوبي من قلق وقال له لكن طائرات إيل 28، وأنت تعرف بنفسك طائرات قديمة. في الوقت الحاضر، ومن الأفضل استخدامها بوصفها طائرة هدف ورد كاسترو بغضب: «ولماذا أرسلتموها إلينا إذن إذا كان الحال كذلك؟) وهكذا سحب السوفيت أسلحتهم التكتيكية أيضا. و بعد ذلك الاجتماع العاصف انتهى أمل كاسترو في أن تصبح كوبا قوة نووية في أمريكا اللاتينية.