إن هذا الوطن هو المسك الذي يفوح شذاه عبر أرجاء الدنيا قاطبة، ففيه نَزَل القرآن، وفيه وُلد الأنبياء، وفيه قبلة المُسلمين، وفيه الحرمان وزمزم وجبال النور، وفيه عظمة الإسلام وديمومته، وفيه الأمل والبشر وسلوى كل مسلم، وفيه الخلفاء الراشدون وأُمّهات المؤمنين، وأكثر من عشرة آلاف صحابي، وفيه روضة من رياض الجنة، وفيه عرين الأسود والأبطال، وأصل الشهامة والوفاء، وفيه الأمن والإيمان. ومما لا شك فيه أن الإيمان بالله -عز وجل- وأمن الوطن والمواطن هما مصدر كل خير وبر، ومنبع كل إحسان ومعروف، وسعادة للفرد والجماعة، وهما العامل الفعال في رُقي الأمم وسعادتها وتطويرها واستثمار مواردها، وتنمية ثرواتها وخيراتها، وتحقيق الرخاء والاستقرار والاطمئنان فيها. وبمقدار وفاء الفرد وإخلاصه وحبه وطاعته لله -عز وجل- وللرسول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- ولولي الأمر والوطن وتمسكه بمبادئه وتطبيقه لمنهجه في نفسه وفي محيط أسرته تكون قوة الجماعة وفلاح الأمم والشعوب. وبإعراض الأفراد والجماعات وبُعدها عن ذلك المنهج القويم يكون تخبطهم وشقاؤهم وهلاكهم، والأمة التي لا يتحقق معنى الوطنية والأمن والإيمان فيها هي أمة ضائعة مُمزّقة تُعاني حياة الضيق والضنك ومعيشة الخوف والقلق، وتنتشر فيها الجريمة والرذيلة والفحشاء والمنكر والإثم والعدوان وعدم الاطمئنان، وقد برهن القرآن العظيم والتاريخ على فنائها وزوالها. ولهذا فإن المواطن الصالح حريص على أن يقوم بأداء واجباته، وعلى رأس هذه الواجبات حسن الطاعة لربه ولرسوله ولولي أمره، فإذا قال صدق، وإذا وعد أنجز، وإذا عاهد رعى عهده، وإذا خاصم لا يفجر في خصومته وعداوته ويترفع عن النقائص. والحقيقة التي لا لبس فيها أنه إذا انتفت تلك الصفات الحميدة انتفى تبعًا لذلك الأمن والإيمان، وانتفى الاستقرار والاطمئنان والحياة الطيبة التي ينشدها كل إنسان سوي، وهنا يجب علينا أن نحمدالله ونشكره على ما منَّ به علينا في هذه البلاد الطاهرة. ومما يجب أن نتحدث به دائمًا في يومنا الوطني ونذكره ونتذكره حقيقة ما عاشه وكابده أجدادنا من عناء وتعب، وما تحقّق بفضل الله وكرمه على يد ذلك البطل صقر العرب والجزيرة حتى وصلنا إلى ما نحن فيه اليوم من رخاء وأمن ورغد عيش ونِعَم لا تُعَد ولا تُحصى، حتى أصبحنا مضرب الأمثال بين الأمم. وبالشكر تدوم النِعَم لذا فإنه يتحتم علينا حقًا شُكر المولى -جل وعلا- والدعاء الخالص لذلك القائد الفذ وشُكر مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين أيّدهم الله بنصره وأعزهم بعزه. وصدق المصطفى -صلى الله عليه وسلم- القائل: «من أصبح منكم معافى في جسده آمنًا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا». وحقًا إن الأمن والإيمان والوطن هم الحصن الحصين في الشدائد والمحن، وهم الملجأ الحقيقي بعد الله -عز وجل- في الشدة والضيقة، وهم صمام الأمان والرخاء والشدّة، فصيانتهم والحرص عليهم من أوجب الواجبات على كل مواطن غيور يهمّه أمر دينه ودنياه، فيكون مُطيعًا لله ولرسوله ولولي أمره، ومعتصمًا بالله –عز وجل- ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم. محفوظ محمد الأمين – المدينة المنورة