عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سددوا وقاربوا وأبشروا، فإنه لن يُدخل الجنةَ أحداً عملُه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قلَّ))متفق عليه , وفيه وصية للمؤمن بالتسديد والمقاربة في العمل، ومعنى (سددوا وقاربوا): اطلبوا السداد واعملوا به، وإن عجزتم عنه فقاربوه أي: اقربوا منه، والسداد الصواب، وهو بين الإفراط والتفريط، فلا تغلوا ولا تقصروا. وهو اتباع السنة من الإخلاص وغيره، ليقبل عملكم فتنزل عليكم الرحمة. ومعنى (وقاربوا): أي لا تُفرطوا فتجهدوا أنفسكم في العبادة، لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال فتتركوا العمل فتفرِّطوا. والسداد لابد فيه من أمرين:(1) أن يكون العمل لله خالصاً، لا شركة لغيره فيه. و(2) أن يكون على النهج الذي جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم .وهذان هما الركنان الأساسان للعمل الصالح، إخلاص العبادة لله وحده، وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم. ومعنى: (وأبشروا) أي إذا قمتم بما أمرتم به من سلوك سبيل السداد فأبشروا بالثواب الجزيل، الذي يتفضل الله به على من أخلص له العبادة، وسار على الصراط المستقيم الذي بعث الله به نبيهصلى الله عليه وسلم. ومعنى(فإنه لن يدخل الجنة أحدًا عمله): أن دخول الجنة والتمتع بنعيمها لا يحصل للعبد بمجرد العمل، بل بتفضل الله وإحسانه، فهو الذي وفق العبد للعمل الصالح وأعانه على فعله، وامتن عليه بقبوله، وتفضل بالمثوبة عليه، فله الفضل والمنة قبل العمل وعنده وبعده،(وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ)، (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا).ومعنى قوله (قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلاّ أن يتغمدني الله منه برحمة): إن كل الناس لا يدخلون الجنة إلاّ برحمة الله، إلا أن وجه تخصيص المصطفى صلى الله عليه وسلم بالذكر، أنه إذا كان مقطوعاً له بأنه يدخل الجنة ثم لا يدخلها إلا برحمة الله، فغيره يكون في ذلك بطريق الأولى. ومعنى قوله(واعلموا أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل): أن العمل الذي يدوم عليه فاعله ولو كان قليلاً، هو أحب العمل إلى الله، وذلك أن العبد إذا داوم على الأعمال الصالحة، فهو حري أن يختم الله له بخير، فإنه إذا وافاه الأجل يوافيه على حالة حسنة، بخلاف الذي لا يداوم على العمل الصالح وينقطع عنه، فقد يوافيه أجله في حالة الترك.