سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
افهم أمريكا تفهم العالم العربي..! كل هذا لا يعفيها من جُرم غطرسة القوة، وإبادتها للهنود الحمر، ودعمها المطلق لإسرائيل، والاضطهاد المصاحب لتفوّقها في شتّى الميادين..
تمثلُ الولاياتالمتحدةالأمريكية النموذجَ الأكثر بروزًا في عالم المال والاقتصاد والسياسة. وقد أثبت ذلك النموذج أحقيته في الريادة بتفوّقه وهيمنته لفترة طويلة على معظم جوانب الشؤون الدولية. إبداعٌ علميٌّ، وتفوّقٌ معرفيٌّ، واختراعاتٌ لا مثيل لها، وقدرةٌ على استقطاب العقول المبدعة، والاستفادة من إنتاجها الفكري لتحقيق الحلم الأمريكي الذي بدوره يُحقِّق الحلم الفردي للمشاركين في تفوّقه. وبذور ذلك النموذج أتت من جينات الإمبراطورية الإنجليزية، ولكنه وُلد خارج الرحم.. عبر المحيط الأطلسي.. في فضاء أوسع، وأكثر ثراءً وخصوبةً. وفي النظريات العلمية يُركِّز الباحثون على فهم الأشياء من خلال فهم النقيض لها.. ولذلك تم اختيار عنوان هذا المقال: «افهم أمريكا تفهم العالم العربي».. أمريكا اكتشفت في القرن الخامس عشر ميلادي، بواسطة بحّارة من القارة الأوروبية بقيادة كلوم بس، الذي أقلع من إسبانيا متّجهًا إلى الهند، الجانب الآخر من الكرة الأرضية. وبعد أن أرسى مراكبه الشراعية على شواطئ العالم الجديد، مهّد الطريق للقوى الأوروبية الأخرى التي رأت في تلك القارة -شمالها وجنوبها- مغانمَ كثيرة، وفتوحاتٍ غير محدودةٍ، وافقت طموحاتها وتطلعات أطماعها. وبعد ذلك تمكّنت القوى الأقدر على السيطرة في ذلك الوقت، وهي بريطانيا العظمى وفرنسا، من التوغل والسيطرة على ما سُمّيا فيما بعد بأمريكا الشمالية وإسبانيا، والبرتغال على أمريكا الجنوبية. ولأن بريطانيا كانت الأقوى بأساطيلها البحرية، فقد كان لها نصيب الأسد، حيث أحكمت السيطرة على قارة بكاملها، سمّتها أمريكا الشمالية. وفي سبيل تثبيت الوجود في العالم الجديد -الأمريكتين- مارس الأوروبيون الغزاةُ عملياتِ تطهيرٍ عرقيٍّ بشعة ضد الهنود الحمر -نسبةً لبشرتهم التي تختلف عن بشرة هنود آسيا السمراء- ولا زالت آثار تلك المجازر موجودة بعد مرور خمسمائة سنة عليها. والعالم العربي في ذلك الوقت كان له دوره الإنساني والحضاري.. إلَّا أن الخلافات، جعلته يفقد إسبانيا -الأندلس- بعد مرور ثمانية عقود، لم يستطع تحويلها إلى دولة إسلامية بالكامل.. ولم يستطع المحافظة عليها بعد إيجاد أفضل نموذج لتعايش الديانات الثلاث (الإسلام، والمسيحية، واليهودية) في دولة واحدة، تحت إدارة إسلامية. وقد تزامن إخراج العرب من الأندلس مع تراجع وانحسار النفوذ في مناطق أخرى من العالم الإسلامي، وضعف -وقتذاك- المركز الذي لم يعد مركزًا إلاّ للمرجعية الدينية في مكةالمكرمة -مهبط الوحي- والمدينة المنورة -مرقد الرسول عليه الصلاة والسلام التي كانت منصّة انطلاق الفتوحات الإسلامية. وأوجه المقارنة بين النظامين العربي الإسلامي في ذلك الوقت، وبين النظام الأوروبي يتّضح أن الأخير ذهب ليبقى وينطلق إلى الأمام، ويتفوق على المركز الذي انطلق منه الأول -العربي الإسلامي- فلم يستطع أن يدير الانتصارات ويُحوّلها إلى منجزات دائمة -كما فعلت إمبراطوريات أوروبا- وعلى وجه الخصوص إنجلترا في شمال أمريكا. وعندما تم التنازع بين الملكيين والجمهوريين على نظام الحكم دخلت أمريكا في حرب أهلية، وانتصر الجمهوريين، وانبثقت أمريكا من خارج رحم الإمبراطورية البريطانية، لتصبح سيّدة الكون في القرن العشرين، وتنقذ القارة الأم وبريطانيا بالذات من حربين كونيتين، وبعد النصر جنت ثمارها من خلال تحقيق تنمية وتطور غير مسبوق في تاريخ البشرية. والفرق بين النظامين العربي الإسلامي والأوروبي المسيحي؛ أن الأول ذهب ليرشد ويعمر، وعندما اختل نظامه، وضعفت إدارته تراجع وانحسر نفوذه، والآخر ذهب لينهب خيرات الأرض ويهيمن، وعندما ضاق به أهل الأرض ذرعًا ساعد على خلق نظام بديل أصبح هو جزءًا منه مع تواصل الروابط والصلات، وتبادل المصالح المشتركة. أمريكا نجحت في ربط العالم بشركات ومصالح تجارية متعددة الجنسيات، وبذلك ثبّتت مبدأ الاعتمادية على المركز.. في نيويورك ولندن.. وبرسول في قلب أوروبا بنفوذ قوي ألماني فرنسي متوّجة بعملتها الدولار، الذي ارتبطت به كل عملات الدول واحتياطياتها المالية.. والمرحلة الثانية أحكمت الوثاق من خلال وسائل الاتصالات بالأقمار الصناعية، وشبكات المعلومات، وسبر أغوار الفضاء الخارجي، والتخطيط لجني منافعه.. وحرصت على ضمان تدفق الطاقة من منابعها إلى مراكز التصنيع والإنتاج.. وبعد نضوج قواها الصلبة تحوّلت إلى القوى الناعمة في وسائل الترفيه، والمأكولات، والملابس، وغير ذلك لتنعش اقتصادها، وتحافظ على نمو وتطور شعبها. كل هذا لا يعفيها من جُرم غطرسة القوة، وإبادتها للهنود الحمر، ودعمها المطلق لإسرائيل، والاضطهاد المصاحب لتفوّقها في شتّى الميادين، والكيل بمكيالين في سبيل تحقيق مصالحها. النموذج الأمريكي يعتمد على حرية الفكر، والقوة، والحركة، والإبداع، في شتّى الميادين، ونقيضه لم يسع بالشكل المأمول إلى تشجيع تلك المفاهيم وتعميقها. هذه القراءة ليست دعوة للأمركة، ولكنها مقارنة سريعة في سبيل تدبر أحوال العالم العربي في ظل ربيع الغضب. [email protected]