عن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث مَن كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواهما، وأن يحب المرء لا يحبّه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار). متفق عليه، ومعنى حلاوة الإيمان: استلذاذ الطاعات، وتحمّل المشاق في رضا الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، وإيثار ذلك على عرض الدنيا. فحلاوة الإيمان المتضمنة للّذة والفرح تتبع كمال محبة العبد لله. ومعنى قوله (أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه ممّا سواهما): أن مَن استكمل الإيمان علم أن حق الله ورسوله آكد عليه من حق أبيه، وأمه، وزوجه، وجميع الناس، لأن الهدى من الضلال، والخلاص من النار إنّما كان بالله على لسان رسوله، ومن علامات محبته نصر دينه بالقول والفعل، والذَّب عن شريعته، والتخلّق بأخلاقه. ومن علامات محبة الله ورسوله، أن يحب ما يحبه الله، ويكره ما يكرهه الله، ويؤثر مرضاته على ما سواه، ويسعى في مرضاته ما استطاع، كما قال تعالى:{منْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ}، فمن آثر أمر غيره على أمره، وخالف ما نهى عنه فذلك علَم على عدم محبته لله ورسوله، فإن محبة الرسول من لوازم محبة الله، فمَن أحب الله وأطاعه أحب الرسول وأطاعه، ومَن لا.. فلا.. كما في آية المحنة:{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ}، قال بعض السلف: ادّعى قوم محبة الله فأنزل الله تعالى آية المحنة. وإذا أراد الإنسان أن يقف يقينًا على مقدار ما في قلبه من المحبة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، فليعرض أقواله وأفعاله على كتاب الله وسنة رسوله، فإن وافقت الشرع المحمدي كان ذلك دليلاً على صدق المحبة، وإن خالفته دلَّ على أن دعوى المحبة كاذبة. وقد دلَّ قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ).. إلى قوله: (أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، وأمّا قوله (وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله): فهذا من لوازم محبة الله تعالى. وفي رواية: (وحتى أن يقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه)، وهي أبلغ؛ لأنه سوّى فيه بين الأمرين، وهنا جعل الوقوع في نار الدنيا أولى من الكفر الذي أنقذه الله بالخروج منه من نار الأخرى.