رحل رئيس الوزراء الإثيوبي مليس زيناوي بعد حياة حافلة شكلت النظام السياسي لبلده، الذي يعادل في تأثيره نظام هيلا سيلاسي (1930 - 1974)، إذ أعاد زيناوي صوغ العلاقات بين القوميات على أساس «الفيدرالية الإثنية» وهي صيغة توازن بين احترام حق تقرير المصير والالتزام بوحدة الدولة. ولد لَجسا زيناوي الذي اشتهر ب «مليس» في «عدوة» عام 1955 لأب من تيغري وأم إريترية، والتحق بمدرسة وينجت العليا، وكون علاقات وثيقة مع المعلمين الإنجليز، كما شارك في الحركة الطلابية الإثيوبية التي مهدت الطريق لنشأة الحركات القومية الإثنية، انضم إلى الجمعية التقدمية لمجتمع التيغري ثم إلى جبهة تيغري وهو في السنة الدراسية الثانية في الجامعة، وتدرج سريعًا في المناصب القيادية حتى صار الشخصية المحورية ليس فقط على مستوى جبهة تيغري ولكن أيضًا في السياسة الإثيوبية، واستعان كثيرًا بالكنيسة الإثيوبية في تحقيق أهدافه وتوسيع نطاق سلطة الدولة الإثيوبية لتكون دولة محورية في القرن الأفريقي. ومن ثم، فإنه بوفاة بطريرك إثيوبيا ورئيس الوزراء مليس زيناوي سوف يكون استقرار هذا البلد مثار قلق وتساؤل، فخلال تاريخ إثيوبيا ظلت الكنيسة تشكل رمزًا لوحدة الدولة وتماسكها الاجتماعي والديني، كما أن التاريخ السياسي لزيناوي ساهم في تقوية السلطة المركزية للدولة وترسيخ مكانة رئيس الوزراء ودوره في السياسة الإثيوبية، بحيث صارت شؤون البلاد تدار ليس فقط من خلال التغيرات في الأداء الاقتصادي، ولكن من خلال تحالف سياسي متعدد الأطرف يمثله رئيس الوزراء وجماعة التيغري والكنيسة الإثيوبية، وهذا التحالف يعد امتدادًا للكتلة التاريخية والسياسية التي شكلت الدولة الإثيوبية الحديثة، التي تشكلت ملامحها منذ نهايات القرن التاسع عشر في ظل تداول جماعتي الأمهرا والتيغري حكم البلاد استنادًا إلى مركزية الهوية الإثيوبية في سياق حضارة «أكسوم» والدور الديني للكنيسة الأرثوذكسية. منذ منتصف السبعينيات شغل زيناوي مواقع متقدمة داخل جبهة تيغري، فخلال الفترة من 1975 وحتى 1979 كان رئيسًا لمدرسة الكوادر وشغل منصب مدرب، كما شغل منصب نائب في الدائرة السياسية كعضو معاون للجنة المركزية، وفي عام 1979 أصبح عضوًا في اللجنة المركزية. وبوفاة زيناوي، يثور القلق على مستقبل إثيوبيا والجبهة الثورية، إذ ظل يشكل العمود الفقري لتماسك النظام السياسي الإثيوبي لما يقرب من عقدين، فعلى رغم التعقيدات والأزمات التي شهدتها السياسة الإثيوبية، تمكن زيناوي من تطوير رؤيته لوحدة الدولة، لكنه لم يستطع التخلص من التناقضات الكامنة سواء داخل الجبهة الثورية والتي دفع نحو تفككها، أو تلك الكامنة في وجود عوامل تعزز تفكك الدولة ذاتها.