من المعلوم أن بيئتنا صحراوية، أمطارها موسمية ونادرة، ومن حكمة الله وقدرته أن أوجد في هذه البيئة ما يناسبها ويتحمل ظروفها القاسية، من نباتات وحيوانات وغير ذلك، وبالعودة لكبار السن وما تحمله صدورهم من تاريخ حول منطقة عايشوا متغيراتها عقوداً من الدهر يتضح أن الأمطار كانت أشد غزارة وأكثر تكراراً مقارنة بهذا العصر، الأمر الذي خلق غطاءً نباتياً كثيفاً يغطي مساحات واسعة من الأراضي،وذلك في ظل عدم وجود آلات متطورة لقطع الأشجار خلا آلة الفأس التقليدية. لكن هذا الوضع الذي ساد مدة زمنية في الماضي لم يعد اليوم قائماً، إذ أصبح سقوط الأمطار نادراً، والاحتطاب جائراً، ومناشير قطع الأشجار أكثر تطوراً، فضلاً عن التقدم الذي طرأ على وسائل النقل مؤخرا. كل الأسباب آنفة الذكر مجتمعة أدت إلى خلل كبير في الغطاء النباتي، فصارت بعض المواقع جرداء بعد أن كانت غابات أشجار وشجيرات تسر الناظرين، ولا غرو أن لذلك انعكاساته السلبية على المواشي ومختلف الحيوانات البرية الأخرى التي تقتات على ما تجود به الأرض من نباتات، وهذا تهديد خطير للتوازن البيئي المسؤول عن بقاء مكونات وعناصر البيئة الطبيعية. إن شح الغيث مرده لتقدير العزيز الحكيم ولا حول ولا قوة لنا بذلك، حيث لا نستطيع زيادة أو نقصان، أما فيما يخص العامل الآخر وهو الاحتطاب والذي يعد الأهم وذو التأثير الأبلغ، فذاك عمل إنساني ويمكن التحكم به وترشيده بل وكبحه إن لزم الأمر. والحقيقة أن المتجول في الأودية والشعاب يعتريه أسىً وحزن عندما يرى بقايا الأشجار التي أتت عليها «مواطير الحطب» ولم تترك وراءها سوى الأغصان والأشواك شاهداً على جريمة نكراء بحق أشجار تمتد أعمارها لقرون عدة، قد استفاد منها الإنسان والحيوان والطير. ثمة أماكن كانت معروفة بكثافة أشجار السمر والسيال والسلم واليوم واقعها مؤسف لا يسر، فما بقي من أشجارها أقل بكثير مما تقاسمته مناشير الحاطبين، لهذا أعتقد جازماً أن الأمر يتطلب وقفة حازمة وصادقة من قبل الجهات المسؤولة لوضع حد لهذه التجاوزات التي طالت ثروة وطنية هامة، وفي هذا الصدد لا يخفى على الجميع أن بيئتنا صحراوية أمطارها شحيحة، ما يعني أن الشجرة التي نفقدها يصعب تعويضها. م/ عايض الميلبي - ينبع