توراثت الاجيال فى منطقة جازان بهجة العيد ونكهته الخاصة ومنها الإفطار الجماعي بين ابناء الحارة أو القبيلة الواحدة، وان كانت الكثير من مظاهر العيد اختلفت في الحاضر عن الماضي إلا أن هناك بعض المظاهر لا تزال يتمسك بها الأهالي. ويشكل الإفطار الصباحي لسكان القرية الواحدة, أو الحي الكبير مصدرا لتلك البهجة التي حافظ عليها أهالي جازان على مر الأيام فغدت ركنا أساسيا من يوم "العيد السعيد" يحرص عليه كبار السن والأطفال على حد سواء, ففي المكان المحدد والمعروف بين الأهالي للإفطار الجماعي تجد الجميع هناك يتبادلون التحايا والتهاني بالعيد فيما يقدم كل منهم وهو يحمل إفطاره الذي عادة ما يتكون من مأكولات جازان الشعبية كالمرسة المقرونة في أغلب الأحيان بقطع السمك المملح وهو ما يعرف لدى الأهالي "بالجزائري" أو "الكسيف" وكذلك الحيسية والمغش والثريد إضافة للعصيدة وكبسة الأرز وغيرها من الوجبات التي عرفت بها المنطقة. وتمتد مائدة الطعام أمتارا وأمتارا, وتتجسد روح الألفة والمحبة بين سكان القرية أو الحي الواحد مختلطة برائحة المغشات والحياسي, فيختلط نقاء النفوس وصفاؤها بجودة الطعام ومذاقه. ويستذكر العم عمر ظلام.. من سكان قرية المعبوج ذكريات العيد في قريته القريبة من مدينة جازان فيقول: "قبل أكثر من ثلاثين سنة ونحن نجتمع في مكان واحد يوم العيد, منذ كنت شابا وأنا احضر يوم العيد إلى ذلك المكان ومرت السنوات وأنا سعيد أن أبناءنا ظلوا محافظين على هذه العادة الجميلة". ويفتخر العم محمد خيري سوادي كون بيته مجاورا للمكان المخصص للإفطار الجماعي بقريته ويقول منذ زمن حين كان والدي -رحمه الله- على قيد الحياة ونحن نعمل على توفير المياه للأهالي في مكان الإفطار ونحن نسعد بتواجدهم بجوار بيتنا. وفي الطرق المؤدية لمقر الإفطار بل وفي كل طرقات القرى التي يتم تنظيفها وتهيئتها قبل العيد ينطلق الأطفال ببهجتهم الطفولية صوب منازل الحي مهنئين بالعيد السعيد فرحين "بالعيدية" التي تقدمها لهم ربات البيوت. فيما يحرص سكان الحي الواحد أو القرية الواحدة عقب صلاة العيد مباشرة وقبل التوجه إلى مقر الإفطار على التزاور فيما بينهم وتبادل التهاني, فيما سيكون اللقاء حتميا بين الجميع في مقر الإفطار. وتشارك النساء في العيد الجازاني منذ القدم بفاعلية فإلى جانب إعداد طعام الإفطار للرجال, يجتمعن هن في منزل إحدى الأسر ويكون الاختيار عادة على المرأة التي كان لديها مناسبة ما قبل العيد أيا كانت المناسبة, فتجتمع نساء الحي ليتبادلن التهاني بالعيد ويتناولن طعام الإفطار والذي لا يختلف عادة عن إفطار الرجال ففي يوم العيد الجازاني لا بد من حضور المرسة والمغش والحيسية. ويعمد أهالي جازان على الاستعداد ليوم العيد قبل حلوله بفترة حيث يبدأ الجميع بتهيئة وتنظيف المنازل والطرقات والساحات الداخلية حرصاً على إظهار صاحب كل منزل بأنه أكثر المهتمين بمجيء العيد والمعايدين وإظهار بهجة وفرحة العيد في منزله والطرقات من حوله. ويستمر العيد في جازان طيلة أيام العيد حيث تتبادل الزيارات بين الأهالي والأصدقاء حتى وإن كانت تبعد المسافات البعيدة فالكل يحرص على زيارة كل أقاربه وأهله وأصدقائه في العيد وتفقد أحوالهم. ووصفت السيدة أم إسحاق الحالة التي كانت تعيشها في السابق وما آلت إليه في الوقت الحاضر حيث قالت: "لقد كنا في الماضي على قلب واحد، فيوم العيد يوم عظيم أول ما نشعر به هي حلاوة ولذة الصيام والعبادة التي رحلت وفارقتنا.. نسأل الله ان نكون من المغفورين لهم، ونتمنى ان يعود علينا شهر رمضان الكريم ونحن في صحة وعافية. واوضحت أن فرحة العيد في جازان ترقص أمام أعين الشباب والاطفال من الصباح حتى وقت العشاء، وتظهر هذه الفرحة على الملبس والمشرب والأهازيج التي يرددها الأطفال قديما، فالرجال يلبسون الثياب الجديدة ويتعطرون ويتبخرون ثم يذهبون إلى المصلى لاداء صلاة العيد، ونساء الحي الجارات تجتمع على وجبة الافطار حيث تأتي الواحدة تحمل ما تستطيع وهناك من تجلب العيش الحامض بعد ان أعدته في التنور الميفا وأخرى تحضر السمك وثالثة المغش ونقيم مائدة طويلة من كل الأكلات الشعبية المتعارف عليها في المنطقة. وتضيف: "وبعد الافطار نجهز اطفالنا الصغار نغسلهم، نلبسهم ونمشط شعورهم وبعدها يروحون يعيدون على الأهل والجيران، عقب ذلك ننام حتى الظهر ثم نقوم نصلي ونعد الغذاء، وفي العصرية كل واحدة تذهب لزيارة ومعايدة أهلها واقاربها وجاراتها". أما عيد اليوم فهو عيد النوم من الساعة 10 أو بعد الظهر نوم إلى المساء، ويصبح الغذاء عشاء وتبدأ الزيارات والمعايدة ليلا، كما ان الاطفال يقومون بجمع المبالغ التي حصلوا عليها من المعايدة ليدفعوها مقابل اللعب في الملاهي والمهرجانات والاحتفالات.