عندما كانت أفغانستان محتلة من قبل الاتحاد السوفييتي، كان الكثير منّا يعتقدون بأن المعركة في أفغانستان هي المعركة الفاصلة بين الحق والباطل، وأن الفصائل الأفغانية فيما لو تمكنت من تحقيق الانتصار وطردت القوات السوفييتية من أراضيها، فإن الإسلام سينتصر وسيظهر على الدين كله! انطلاقاً من هذه القناعات التي زرعها ورسخها في أذهان الناس، مجموعة غير قليلة من التنظيمات والأحزاب الدينية، تم تهميش القضية الفلسطينية إلى درجة جعلت من التركيز على فلسطين وقضية شعبها، خيانة للقضية الأفغانية، وبالتالي خيانة للقضية الإسلامية برمتها! الآن أفغانستان محتلة من قبل جيش أجنبي منذ حوالي أحد عشر عاما، أما الفصائل التي تقاوم الاحتلال فهي ذات الفصائل التي كانت تقاوم الاحتلال السوفييتي، لكن مناخ التعبئة الفكرية والنفسية اختفى، والخطاب الجهادي خفت هذا إن لم يكن قد تلاشى، فما هو السبب في ذلك يا ترى..؟ ألا تلاحظون أن أحدا من أرباب الفكر الجهادي التقليدي لم يعد يذكر أفغانستان رغم أنها محتلة..؟ ترى ما الذي تغير وما هو الفارق بين احتلال واحتلال..؟ وهل يجوز مقاومة احتلال ما والتعايش مع احتلال آخر فقط لأن هوية المحتل تغيرت؟! هناك ازدواجية عجيبة في الخطاب الجهادي التقليدي، يصعب فهمها على كل من كان منطق العقل هو وسيلته للفهم. ولعل ما يزيد هذه الازدواجية غموضا، هو ذلك التقاطع العجيب بين الخطاب الجهادي التقليدي وبين مصالح الطبقة الحاكمة في أمريكا. أنا هنا لا أريد أن أتهم أحدا، كما أنني لا ألمح إلى شيء البتة.. كل ما في الأمر أنني بصدد طرح أسئلة عجزت عن إيجاد إجابات عنها. ولعل السؤال الأهم من كل ما سبق هو: لماذا وكيف وعلى أي أساس، تتطابق مواقف دعاة الفكر الجهادي التقليدي مع مدعي الليبرالية العرب، حيال جل إن لم يكن كل القضايا والصراعات والأزمات الدولية..؟ ترى ما الذي جمع وأصبح يجمع دائما بين الشامي والمغربي حسب المقولة الشعبية المصرية الشهيرة..؟ مرة أخرى أقول إنني لست بصدد اتهام أحد بما لم أستطع تحديده أو تقديره حتى الآن... لكنني فقط أريد أن ألفت النظر إلى المظاهر غير العقلانية أو الظواهر الجنونية التي باتت تميز الحياة الفكرية والسياسية والثقافية في الوطن العربي... ما الذي حدث ويحدث وسيحدث..؟ وكيف يمكن للعقل البشري المحدود أن يفهم هذه التناقضات التي تحتاج إلى ما فوق طاقة البشر على الاستيعاب، لفهمها والتعامل معها..؟ وكيف يمكن تفسير انقياد الشارع العربي وراء الفكر التكفيري من ناحية، والفكر الذي يقدم أسوأ صورة ممكنة لليبرالية من ناحية أخرى؟! يا رب ساعدنا على فهم وتحمل كل ما يجري أمامنا وحولنا. [email protected] [email protected]