حين يهمنا أمر ما فإنا ننتظره بشغف وشوق ... وهذا يعني أنه يعني لنا الكثير ... تمامًا كشغفنا وانتظارنا لهذه الليالي بفارغ الصبر ... فهي مناسبة ترفرف لها القلوب ... وتلهج الألسن بالدعاء ليبلغنا الله إيّاها ... لم نكن ونحن صغار ندرك معناها الحقيقي مع الأسف ... لكن الآن حين كبرنا وأصبحنا أكثر نضجًا ووعيًاعرفنا قيمتها ومعناها ... إذ لم نكن ندرك من معاني هذه الليالي إلا المسلسلات والأكلات والنوم ... أحزن كثيرًا حين أتذكر كيف كنا في الماضي ... لقد كانت هذه الليالي تمرّ كأي ليلة عاديّة من أيام السنة .. دون استعداد لها !! ربما بسبب الجهل وعدم التوعية ...!! أما اليوم فالوضع مختلف ... الجميع يعرف أننا مقدمون على أيام عظيمة يجب استثمارها في الطاعات والخيرات فهي ليال مختلفة متميزة بساعاتها وما يتخللها من أجواء روحانية .... ومع ذلك مازال الكثير من الناس بالرغم من التوعية وانتشار التقنية وما فيها من كيفية استقبال هذه الليالي يعيشون في غفلة ... هم يعلمون بأهميتها وما تحويه من الخير الكثير ... ولكنهم مع الأسف يسمحون للغفلة بأن تستفرد بهم ... وتردي بهم في مصيدة ضياع الوقت والذنوب والآثام ... ولأنّ ليالي وأيام هذا الشهر مختلفة عن باقي شهور السنة فإنّ أعداءنا يحاولون بقدر المستطاع استغلال هذا الشهر لتحقيق مآربهم ... فالجميع يتحدّون في هذا الشهر ... فما لم نستطع تحقيقه طوال سنة كاملة في هذا الشهر ...يتحقق إذ تصبح الأمة الإسلامية قلبًا واحدًا ... وجسدًا واحدًا ... فيكفي أن تجتمع الأسرة في مكان واحد وعلى الفطور يتبادلون الدعاء فيما بينهم في جميع أنحاء العالم ...فالكل يتغير ويسير وفق نظام رباني ... سواء في المأكل أو الأهداف أو الجدول الذي يسير عليه ... فنجد من يسعى جاهدًا ليطوّر من نفسه ...ويرتقي بها قلبًا وقالبًا .... قد لا يكون التغيير مئة بالمئة... ولكن نستطيع أن نقول هناك تغيير إيجابي ... خصوصًا لمن يتسلح بالعزيمة والإصرار ومحاربة الأهواء والمغريات التي تحفّ به من كلّ جانب ... ونجد العكس تمامًا .. فمنهم من يدرّب نفسه والعياذ بالله على المعاصي ويتبّع أهواء نفسه ليخرج من هذا الشهر بلا شيء سوى تفاهات يقتاتها من أعدائه ... فهو كالآلة بين يديهم يوجهونه كيفما شاؤوا ... من محطة إلى أخرى ... وينسى أنّ أجمل ما في هذه الليالي هي أنها تجمع مشاعر المسلمين كلها ...لتضعها في كف مبسوطة ... نرى فيها بوضوح هذه المشاعر تمتزج بالحب والتسامح والعطاء والرحمة والهمّة للخير ... فما ضرّنا لو حاولنا أن نرتقى بأنفسنا بصدق وإخلاص حتى تستمرّ معنا مدى الحياة ..؟! فالحياة قصيرة بتافه الأمور... طويلة بجليل الأعمال ... نعم .. نرغب في ليالي النور هذه أن نسجّل في ختامها أعظم انتصار على نفسنا الأمارة بالسوء ... فاسأل الله أن يعيننا على صيام الشهر الفضيل وقيامه ... حنان سعيد الغامدي - جدة