*إلى بطلتي ريم.. أهديك هذا.. مقالة كتبتها أروى التي بمشيئة الله تعافت تماما من مرض الرحمة، ورغبت في أن تزرع الإيمان والأمل بالله في قلوب المرضى، وغير المرضى، اختصرت وعدلت قليلا، فمع الرسالة: ''مَن قال إني أصبتُ بمرض مميت؟ إني أُصبت بمرض.. إنه ''مرضُ الحياة''. أبصرني الحياة، وأسمعني الحياة وأطعمني الحياة وأسقانيها. تبتدئ حكايتي في السادسة عشرة من عُمري،''عمر الزهور''، وكانت ولادة مرضي بتاريخ 1424ه، شاء الله أنُ أصابَ بوعكةٍ صحية أُدخلت المستشفى لأسبوعين وخرجت ولم يُعرَف ما الذي كان بي. تدافعت الآلام لشهرين إلى أن أُدخلت المستشفى مرةً أخرى. قرر والدايّ - حفظهما الله - إدخالي إلى مدينةِ الملك عبد العزيز بجدة. وانطلقت الرحلة العلاجية بتاريخ 1424-8-18 وأخبراني أني مصابة بنوعٍ من الأنيميا يجب علاجه في جدة ولا يتوافر في مدينتنا. بعد ثلاثة أسابيع وأنا بالمستشفى قررت الخروج للمشي بين الممرات. مررت بالجناح المجاور كان بعضُ النزيلات يجتمعن مع بعضهن للتسلية وتبادل الأحاديث، وبادرتْ إحداهُن بدعوتي، وسألتني: ''ما سبب دخولك جناح الأورام ولم أكن أعلم أن الجناحَ لمرضى الأورام. قلت لها إن بي أنيميا في الدم. ردّت عليّ: ''جناحك مخصّص فقط لمرضى السرطان، وعملية القسطرة التي في رقبتك مخصّصة لإدخال العلاج الكيميائي''، وأدركت أنّ ما بي هو سرطان، وليس أنيميا، وأنا التي زُرعَ في عقلها الصغير أن السرطان مميت، وأما دراستي ل ''الإيمان بالقضاءِ والقدر''، وأن الله على كل شيء قدير وأنَّ الدعاء يدفع القضاء كان تنظيراً أحفظه كما أحفظُ أبيات شعر لا أفهم معانيها، قليلٌ مَن يخبرنا كيفَ نسقط المعاني الجميلة على حياتنا في النوازل والمحن، فإخفاءُ خبر مرض ''هذه سمعته'' أُعتُقِد أنه يبعث التفاؤل ويُذهب الخوف، ومن هنا نبع حرص والديّ على إخفائه عني. عدتُ إلى غرفتي وأمي لم تنم بعد، قلتُ لها: ''أنا مصابة بالسرطان.. أليسَ كذلك؟'' صمتت أمي. تلك الليلة نمتُ نوماً عميقا ولم أقلق ولم يؤذني حلم مزعج أو كابوس. كان الله لطيفاً معي لحظة اكتشافه، ربط ربّي على قلبي. بمرض الرحمة عدوك الأول هو ''اليأس'' يترصدُ لك بكل مرحلة من مراحل العلاج إذا لم تهزم اليأس في الغالب سيهزمك المرض.. التعامل والتكيفُ مع الأمراضِ يحتاجُ إلى إعادةِ تأمل، الله على كل شيء قدير، ومتى ما آمنا بذلك، وفعل السبب، فمهما أمطر علينا الطبُّ والأطباءُ كلاما لا نحبُ سماعه، يبقى في القلبِ يقينٌ بأن الله على كل شيءٍ قدير، قد يقدّر الله حُمى يسيرة وتقتل صاحبها، وقد يقدّر لآخر مرضا صعبا فيخرجُ سليماً معافى، لا علاقة بين المرض والموت، فالموت قدر، والمرض قدر.. أليس هناك من نام ولم يستيقظ؟ أليس هناك من مات وهو يضحك؟ لا تجعل اليأسَ يتسلل لقلبك..املأَ قلبك، ونفسك بالأمل، واعلم أن اللهَ يعلم حاجتك، خوفك، ألمك، أملك، أليسَ هو القائل: ''هو أعلمُ بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطونِ أمهاتكم''. هو يعلم تفاصيل لا تعلمها، فهو الذي ينتقي لك الأخيَر والأصلح، مرت بحياتك أمورٌ كنت تتمنى لو أنها لم تحدث، وبعدما حدثت حمدت الله أنها حدثت. ها هو تعريفُ المرض باختصار: المرض قصة لم تصل إلى نهايتها السعيدة بعد، قصةٌ تنبضُ بالأمل، وبحب الله. يستفرد بي الشيطانُ أحياناً ليخبرني أنه حان دورك، ولكن في القلب يقين.. وتفاؤل، بأن الذي يميت هو الذي يحيي، والذي يُمرض هو الذي يشفي.. يبدئ ويعيد. سرطان الدم ''اللوكيميا'' مرض يصيب مصنع الدم وقد يضطر الأطباء إلى زراعة النخاع إذا فشل الكيميائي. كانَ العلاجُ أربع دورات بالكيميائي. مع المدة أدى العلاج إلى إصابة مفاصلي بالهشاشةِ والتفتتّ فاستبدلت بتوفيق الله بمفاصلَ صناعية. وبفضل من الله، بعد أربع سنوات تكلل العلاجُ بالنجاح. توفي مرضي عام: 1428ه. أعطاني مرض الرحمة - بعد أمر الله - أخواتٍ تشاطرتُ معهنّ كل شيء، مازلت أدعو لهن بالغيب، هُن هِباتٌ، وهدايا من الله. هدانا الله لتلك الرحمة التي هي قوة خفية تدفعنا للأمام، الله وهبنا لبعضنا فتعاضدنا وتشاطرنا وتدافعنا بذاك الأمل سلاحُنا لنهزم العدوَّ الأول: اليأس. .. وهزمناه!